18 ديسمبر، 2024 1:52 م

هل ستكون موازنة 2022 صداعا جديدا لرؤوس العراقيين ؟!

هل ستكون موازنة 2022 صداعا جديدا لرؤوس العراقيين ؟!

صداع الرأس لا يعالج دائما بالأسبرين او الباراستيمول ، ومنه الصداع الذي يتعرض له المواطن في العراق كل عام منذ الشروع بإعداد الموازنات الاتحادية وحتى المصادقة عليها من قبل مجلس النواب ، فلسان حال الكثير من العراقيين يقول إن الموازنات التي لا تزال تعتمد على صادرات النفط نشد فيها الأحزمة على البطون عند انخفاض أسعار النفط ولكننا لا نلمس منها شيئا عند الارتفاع ، ومن الناحية العلمية والعملية فان بلدنا لم يشهد موازنات بمعناها الصحيح لا في زمن النظام السابق ولا بعد الاحتلال فالموازنات التي صدرت بعد 2004 تحتوي على مجموعة كبيرة من الأخطاء تتكرر كل عام أبرزها : افتقار بعضها إلى الحد الأدنى من المعقول كعدم تطابق أرقام الجانب المدين وأرقام الجانب الدائن وآخرها حصل في موازنة 2021 ، وهي مسالة يمكن أن يدركها كل من يجيد العمليات الحسابية في الجمع والطرح وقد تم فضحها من قبل وزارة المالية والفضائيات ، وثانيها إنها تعد بالأسلوب التقليدي المعتمد منذ زمن الملكية في الاعتماد على الأبواب والأقسام بحيث تتحول إلى عملية استنساخ (Copy –Paste ).
عدا التغيير في الأرقام ، وثالثها فقدان الأهداف المخططة وعدم إمكانية قياس نتائجها في نهاية السنة المالية لان حساباتها الختامية تقدم بالتقادم بعد عشرة أعوام ، ورابعها التأخر في إعدادها ومناقشتها وسريانها بحيث لا يتم التنفيذ إلا بعد مرور أربعة أشهر على الأقل ، وخامسها إعدادها بعجز كبير يدمع العيون ثم تنتهي السنة المالية وهي تحتوي على فوائض مالية رغم إعداد الموازنات التكميلية على سبيل الترقيع ، وسادسها ضعف الالتزام بفقراتها فهي واجبة التطبيق من حيث التزامات المواطن فور صدورها ولكن وحدات الصرف تتنصل أحيانا عن الإيفاء بحقوق المواطنين ، وسابعها وهو تقليد لما دشنه الدكتور العبادي في ولايته فيما يخص الطعن بمواد الموازنة مما يؤخر تنفيذ الكثير من الفقرات ودليلنا على ذلك إن هناك 10 مواد او أكثر في موازنة العام الحالي طعنت بها الحكومة لدى المحكمة الاتحادية وتم تأجيل البت بها حتى أيلول القادم وصلاحية الصرف في الموازنة لم يتبقى له سوى عدد قليل من الشهور ، وثامنها إن موازناتنا تحشر فيها كثيرا من الالتزامات وتحجب عنها فقرات مهمة مثل التعيينات وتقليل التضخم ودفع المستحقات فهناك مواد كثيرة تسمح بزيادة الرسوم والأجور المستوفاة من المواطن بما يعطي العلوية لقانون الموازنة خلافا للأعراف السائدة التي تقضي بوجوب خضوع أية جباية او أعباء لتشريع بقوانين ، وتاسعها إن الموازنة رغم غيابها في عامي 2014 و2020 دون التحري عن التقصير والمقصرين إلا إنها أخذت تتحول إلى وسائل للتهديد والوعيد بحجة إن 65% من نفقاتها تذهب للموظفين وكأن المواطن هو المسؤول عن عشوائية التعيين ، ومن نتاح ذلك إحداث الضرر بالقدرات الشرائية رغم عدم واقعية تقديراتها بما يعيق معيشة أغلبية السكان .
وتعد موازنة 2021 من اقسى الموازنات التي مرت على غالبية العراقيين من خلال اعتماد 45 دولار كسعر لبيع برميل النفط المصدر ( رغم إن الواقع الفعلي هو أكثر من 60 دولار) ، واعتماد 1470 دينار كسعر لصرف الدولار بعد إن كان السعر السائد هو 1200 دينار ، كما تمت زيادة الرسوم والضرائب بشكل احرق الأسعار في الأسواق و اضطر الكثير من المواطنين لصرف مدخراتهم او بيع ما يمتلكوه من مقتنيات لسد الثغرة الكبيرة في الأسعار وعلى غرار ما كنا نفعله في أيام النظام البائد ببيع أثمن الأشياء بابخس الأسعار ، وبدلا من أن تكون سنة 2021 نقطة تحول في إنعاش الحياة بعد الضائقة الكبيرة التي شهدتها سنة 2020 بسبب الجائحة ، فقد تحولت إلى وبال على الجميع عدا من استفادوا واستغلوا الوضع ( الجديد ) ، فالارتفاع في الأسعار تراوح بين %50 – 100% لكل المواد ، وحسب ما يتم الاطلاع عليه فان الأهداف من تغيير سعر الصرف لم تسبب سوى الأذى والعوز بأغلب السكان ، فمزاد العملة لايزال حيا يرزق وغسيل الأموال واضح للعيان من خلال الفرق بين مبيعات الدولار وقيمة السلع الخاضعة لرسوم الكمارك ، والمنتج المحلي تراجع بدليل ارتفاع أسعاره لمواد أساسية كرغيف الخبز وبيض ولحوم المائدة والخضروات وقائمة الأمثلة على الغلاء تطول ، آما موضوع القضاء على الفساد فقد سمعنا بعض أخباره ولكن لم تصدر إحصاءات ونسب عن استرداد الأموال وخفضه للحد المعقول .
وبسبب ( الدمار ) في القدرات الشرائية الذي أحدثته موازنة 2021 والذي أطلقت عليه الإدارة المالية ( الصدمة ) ، فان غالبية الناس ينتظرون ببالغ الصبر تشكيل الحكومة الجديدة بعد انتخابات تشرين الأول لعلها تعالج بعض الأمور ومنها تصحيح أسعار صرف الدولار وصياغة موازنة إصلاحية حقيقية وليس بالشعارات ، وان تتضمن أهدافها تقليل الأعباء على المواطنين والبدء بنهضة حقيقية في الاقتصاد الوطني من خلال زيادة الناتج المحلي الإجمالي بدلا من إفراغ جيوب وبطون الفقراء من محدودي ومعدومي الدخل ، والبعض من أصحاب هذه الآمال يتساءلون عن إمكانية بلوغها بعد أن كشف معالي وزير المالية ( الحالي ) عن بعض إسرار موازنة 2022 التي يأمل انتهاء إعدادها بعد 3 أسابيع ، ومن إسرارها إن سعر برميل النفط سيكون 50 دولاراً ، كما لوح بان الفروقات في أسعار النفط ستوظف لاطفاء القروض، وان هناك سعيا لتشريع قانون للضرائب يرسم سياسة جديدة من شانه زيادة الإيرادات غير النفطية للموازنة لأنها لا تعادل حاليا 1% من الدخل الوطني وهي قليلة جداً في العراق ، ولسنا هنا بمعرض التعليق على تصريحات معاليه .
لأنه من المرجح أن لا تقبل الحكومة التي ستتشكل بعد الانتخابات ( التي تأكد إجرائها في موعدها المحدد ) الالتزام بموازنة تورثها حكومة لم تصدر موازنتها ألا في بداية نيسان ولم تطلق تخصيصاتها إلا بعد بداية حزيران وبعض موادها لا تزال قيد الطعن في المحكمة الاتحادية ، فما يتوقعه المواطن من حكومة ما بعد الاحتجاجات والتظاهرات هو إن تكون موازنة 2022 أول اختبار لها في إثبات جديتها للإصلاح ومحاربة الفساد وتقليل الفقر ، وهو ما يتطلب اعتماد أسس ومعايير جديدة في إعدادها ورقابة تنفيذها ، بما يجعلها خالية من التلميحات و تزيل شيئا فشيء صداع الرؤوس الذي عاشه شعبنا لسنوات من موازنات اقل ما يقال عنها إنها اصيبت بالعقم.