22 ديسمبر، 2024 6:56 م

هل ستطيح المادية التاريخية بالاحزاب الاسلاموية في العراق؟

هل ستطيح المادية التاريخية بالاحزاب الاسلاموية في العراق؟

نصف الحامل هي حالة مستحيلة والعبارة تستعمل باللغة الانكليزية للتعبيرعن حتمية الاختيار بين نقيضين لاثالث لهما فاما أبيض وإما أسود، وغالبا ما تستخدم للإشارة إلى شخص يمتطي سياجا فلا هو داخل ولا هو خارج، اي أقرب الى التشبيه الذي استعمله سياسيو مابعد 2003 القائل “رجل في العملية السياسية ورجل خارجها.”
ليس فقط حيدر العبادي بل تكاد تكون هذه سياسة حزب الدعوة العامة للمحافظة على علاقة متكافئة مع اطراف دولية وعراقية متنازعة. في احايين كثيرة يدفع الحزب باحد اعضاءه فيصرح بشيء ما لجس نبض الشارع العراقي او لقياس ردود الافعال الدولية، فان كان الامر خطير ينبري اخر فيكذب ماقاله الاول او يفسره بطريقة معاكسة لتهدئة المعترضين، حال الحزب بهذا كحال الميلشيات التي كلما تورط احد او مجموعة من عناصرها في جريمة ضد افراد الشعب العراقي خرجت علينا وادعت انهم لايمثلونها لكنهم مع ذلك لايعاقبون على الاطلاق بل لعلهم يكرمون بالخفاء.
صراحة كنت نويت كتابة مقال عن تملص العبادي من تصريح قال فيه ان مصلحة العراقيين تضطره للالتزام بالعقوبات الامريكية ضد ايران ليتراجع بارتباك بعدها تدريجيا الى أن تحول التعهد الى تعهد معاكس بطلب استثناء العراق من الالتزام بتلك العقوبات، مما يعني ان العراق سيكون الوسيط الذي تكسر من خلاله ايران العقوبات المفروضة ضدها وسوقا لتصريف بضائعها الكاسدة محليا والمحاصرة دوليا مثلما عاشت سوريا على لبنان اثناء احتلالها لها ومثلما اعتمد صدام حسين على الاردن لكسر الحصار الذي فرضه عليه المجتمع الدولي.
كنت ركنت المقال وهو لم يكتمل في احد ملفات حاسبتي كما هو حال عدد من مقالات اخرى، لان فاجعة مقتل خبيرة التجميل الدكتورة الجميلة رفيف الياسري ” في ظروف غامضة” جعلت الكتابة عن ترهات العبادي نوعا من البذخ الفكري، فالجرائم متواصلة منذ ان دشن الاسلامويون الحكم في العراق وغالبا ماتكون اللاحقات اخطر واشد بشاعة من السابقات.
لكن مقتل خبيرة التجميل الاخرى رشا الحسن أيضا في “ظروف غامضة” اضطرني لسحب المقال والشروع باكماله رغم انه نحى منحى آخر وهو الفلتان الامني وتنمر الميليشيات المنفلته منذ ان اعادها نوري المالكي الى العراق من ايران الذي احتضنتها عندما طاردتها القوات الامريكية.
ساكون صريحا معكم واقول ان غالبية الشعب العراقي مسؤولون عن جرائم القتل المنظم لاجمل واذكى بناتنا والذي كلنا يعرف من وراءه ( الميليشيات الشيعية المرتبطة بفيلق القدس الايراني- العصائب والكتائب) لماذا ؟ لانني اسمع واقرا تعليقات الكثيرين الذين يبررون مقتلهم ويشتمونهم وهذه طبعا تترجم من قبل الارهابيين على انها اشارات دعم ومباركة لهم كي يستمروا بهذا النوع من الجرائم تحت ستار الشرف والالتزام الاخلاقي- طبعا كما يراه قاسم سليماني.
لعل بعضكم لايعرف ان قتلهما وقتل الشاب كرار نوشي قبلهما ومقتل 28 امراة و6 رجال في تموز 2014 من قبل عصائب اهل “الحق” في حي زيونة ببغداد ومقتل سبع نساء وستة رجال في احدى شقق الحي نفسه في مايس 2013 ومقتل أكثر من 40 امرأة والقاء جثثهن في الشوارع في الاشهر الخمسة السابقة لشهر كانون الاول عام 2007 في البصرة ، والقائمة طويلة، لان سلوكياتهم وازيائهم خالفت التعريف الايراني للاحتشام .
لابد ان تكون كل هذه الجرائم بحق العزل من الشعب العراقي ارتكبت باوامر مباشرة او غير مباشرة من اعوان الولي الايراني لان طريقة حياة وتحرر الشباب في العراق يؤثر على اقرانهم الشباب الايرانيين التواقين الى الحرية والانفتاح. ان خطر العراق على ايران لايتمثل في نوع النظام السياسي الذي لم تدخر ايران جهدا كي يحاكي نظامها فسب بل يتعداه الى النظام الاجتماعي وأساليب الحياة التحررية.
نظام حكم ديمقراطي ليبرالي يمكن ان يكلف الولي الفقيه كثيرا لانه حتما سيحيي الشعور بالحرية المفقودة لدى الشباب الايراني أو على الاقل الحنين الى أيام الشاه ويشتد ضغط الشارع على حكومة الولي الاسلاموية، اضافة الى انه يتعارض مع سياسة تصدير الثورة الاسلامية التي يتبناه نظام الملالي منذ ان تولى السلطة هناك.
وعلى ذكر توالي الاحداث فقد غطت احداث البصرة على كل ماسبقها من جرائم وقزمت اكثرها بشاعة ولاادري فيما اذا كانت هذه سياسة مقصودة ام هي نتيجة طبيعية للفلتان الامني والاداري اللذان سببهما انشغال المسؤولين بتقاسم الغنائم فالكل يريد ان يعبىئ بكيسه كلما خف وزنه وغلا ثمنه فدورة الاربع سنوات ، عند المسؤول المنتخب والمعين في وظيفة، تدور بسرعة دورة عجلة “جكسارته” ولامجال لديه لترهات تقديم الخدمات او تنفيذ ماوعد الناخب بتنفيذه. في جلسة البرلمان التي عقدت لمناقشة احداث البصرة وايجاد الحلول القى حيدر العبادي باللوم على محافظ البصرة وحتى حينما أوضح المحافظ موقفه، وكان موفقا، ورمى الكرة في ساحة وزراء حكومة العبادي، لم يتجرأ العبادي بانتقاد أو محاسبة او على الاقل الاعتراف بتقاعس اي وزير او وزيرة في حكومته لانه لايتحمل اغضاب كتلهم التي هو في امس الحاجة الى دعمها في هذا الوقت العصيب لتشكيل الحكومة، لذا مسك العصا من الوسط.
الظروف المادية ، حسب المادية التاريخية، هي التي تحدد شكل المجتمع البشري في اي زمان أو مكان، والمعني بالظروف المادية العلاقات التي تربط الناس مع بعضهم البعض من أجل تلبية الاحتياجات الأساسية كالأمن والمأكل والملبس والملجأ. على مدى 15 عاما، فشل الاسلامويون وعلى رأسهم حزب الدعوة فشلا ذريعا في تلبية هكذا احتياجات فهل ستهب الجموع الغاضبة وتقتلعهم من الجذور لتبدأ صفحة جديدة من التاريخ؟ يبدو هكذا سيكون مصيرهم ولو بعد حين