23 ديسمبر، 2024 7:02 ص

هل سأل إبراهيم عليه السلام الله عز وجل إحياء موتى القبور … للرد على شبهات  الملحدين ؟

هل سأل إبراهيم عليه السلام الله عز وجل إحياء موتى القبور … للرد على شبهات  الملحدين ؟

هناك شبهة أوردها لي أحد الإخوة عن حقيقة سؤال سيدنا ابراهيم عليه السلام لربه بأن يحيي الموتى, حيث إستغل الملحدون هذه الآية وتفسيرها التقليدي ليطعنوا في كلام الله بأن قالوا: إن الله تعالى يصف المؤمنين بقوله تعالى {الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ }الرعد28, في حين أن النبي إبراهيم عليه السلام قال لربه {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }البقرة260
وهنا يورد الملحدون بأن القران الكريم هو ليس من عند الله لأن فيه اختلافا, إذ كيف لم يطمئن إبراهيم لإيمانه بأن الله يحيي الموتى إلا عندما يرى ذلك بأم عينيه, وبالتالي فإن القرآن الكريم حكم على نفسه بأنه من عند غير الله لقوله تعالى {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً }النساء82
وقد جاء لي أحد الأخوة بلسان الحال متسائلا عن كيفية الرد على هذه الشبهة الوقحة, وأن قلوب كثير من المؤمنين إهتزت عندما رأوا هذه الشبهة وإحجم الكثير من المسلمين عن الرد عليها, فما كان مني إلا ان أذب عن دين الله واستنشط غيرتي عليه, وانبريت وأمسكت القلم وأوضحت ما أوضحت في منتدياتهم, غير أن البعض إستشكل ما قلته وقال بأن الأمر لم يتضح له ولابد من التوضيح , وسأعمد في هذا المقال للرد على هذه الشبهة بإسهاب أوضح وأدق , فأقول :
إن الآية التي إستدلوا بها على عدم اطمئنان إبراهيم عليه السلام آيةٌ تخالف المعنى الذي أرادوا أن يمرروه على عقول العوام من الناس, لأن الآية التي تصف اطمئنان قلوب المؤمنين هو بذكر الله وليس بأمرٍ آخر, فمثلا هناك من يطمئن إلى رزقه أي ضَمِنَ أن رزقه سيأتيه في كل شهر, وهناك من يطمئن في مشيه فلا يخاف أن يسقط على الأرض, و  ذكرت أمثلة تلك الاطمئنانات في القرآن الكريم في عدة مواضع {وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ }النحل112, اطمئنان الرزق , أما في اطمئنان المشي فقد قال الله تعالى {قُل لَّوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلآئِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاءِ مَلَكاً رَّسُولاً }الإسراء95, وهناك الاطمئنان من العذاب بذكر الله تعالى فقال {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ }الفجر27 وقد يكون الاطمئنان بغير ذكر الله, إنما يكون بمدده وبنصره فقد ورد في القرآن الكريم قوله في سورة آل عمران بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَـذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُسَوِّمِينَ{125} وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ{126}
أما الإيمان بالله واليوم الآخر وملائكته وكتبه ورسله والقدر خيره وشره من الله تعالى, والاطمئنان به فهو ثابت للمؤمنين كلهم أنبيائهم وعوامهم, فقد قال الله تعالى {مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَـكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ }النحل,106 وقال أيضا {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ }الفجر27 وسؤال سيدنا إبراهيم لله ربه لم يتعرض لأركان الإيمان, لأنه ببساطة لم يسأله أرني كيف تحيي الموتى في البعث مثلا, إنما قال {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي الْمَوْتَى …… }البقرة260 والسؤال هنا ما هو الإحياء الذي قصده إبراهيم؟ فمن فسرها بأنه الإحياء المادي فقد أخطأ,  ففي نفس السورة وقبل عدد قليل من الآيات وردت محاججة إبراهيم لعدو الله فقال (إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ) فكيف يحاجج إبراهيم بحجة هو لا يزال غير مطمئن بها , ولكن المقصود من الإحياء هنا في (أرني كيف تحيي الموتى) هو الإحياء الروحاني لا غير. ونحن نعلم أن أبسط مؤمن بالله لا يرتابه شك في البعث بعد الموت, فكيف بإبراهيم عليه السلام ؟ وقد ورد ذكر الإحياء الروحاني في القرآن الكريم في أكثر من موضع بقوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ }الأنفال24, وقوله {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ }المائدة32, وهذا الإحياء الروحي الذي قصده سيدنا إبراهيم, فأراد من الله إشارة ليطمئن قلبه بنصر الله كما اطمأنت قلوب الصحابة بتعزيز الله لجيشهم بالملائكة, فسؤال إبراهيم لربه بأنك هل ستهدي قومي إلى الصراط المستقيم ألا وهو دينك الحق؟
وهنا من حق إبراهيم أن يسأل عن الهداية فليس كل نبي يستطيع أن يهدي أمته إلى دين الحق, فهناك أنبياء قتلوا ولم تتحقق مهمتهم, لذلك استفهم إبراهيم من ربه بأن أمته هل ستهتدي أم لا ؟ وطلب منه دليلا عقليا فجاء الدليل بترميز رائع فقال له: خذ أربعة من الطير, وهذه الطيور هي أبنائه وأحفاده إسحاق وإسماعيل ويعقوب ويوسف, وقال له: (فصرهن اليك) ولم يقل (صرهن), فصرهن إليك بمعنى أملهن إليك, وصر الشيء بدون حرف الجر (إلى) تعني قطعه, وارجع إلى لسان العرب لتقرأ فيه من معاني فصرهن , كما أرود الطبري في جامع تفسير القرآن بأن العطاء فسر فصرهن إليك بضمهن إليك, والزمخشري في كشافه قال ما قاله الرازي والطبري وغيرهم, والمعنى آلفهن واجعل كل واحد منهم على جبل, أي اجعلهم من خلال تربيتك لهم يحتلون مكانة بارزة ورفيعة في المجتمع الإنساني, وسينشرون دعوتك إلى جهات العالم الأربعة, فدعوة إبراهيم عليه السلام جابت الآفاق وكل الأديان السماوية تنسب إليه, أما بخصوص جبال أربع  منفصلة فهي ترمز إلى الإحياءات الأربع التي سينعم الله بها على أتباع إبراهيم, فأولها الإحياء في زمن موسى عليه السلام, والثانية في زمن عيسى, والثالثة في زمن النبي الأعظم, والرابعة في بعثة الأمة المحمدية على يد المسيح المحمدي والإمام المهدي في أخر الزمان كما أنبأت به كتب السنة والشيعة على السواء , وقد يشار إلى كلمة ُ (اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءاً), وقد يفسر البعض جزءا أي جزءا من الطير ولحمه  وهذا غير  صائب, لأن الجزء تأتي أيضا بمعنى المفرد الواحد  من مجموعة , فقد قال الله تعالى في سورة الحجر (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ{43} لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِّكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ{44}), فهل عنى الله بهذا بأن كل باب من جهنم لها جزء من لحم الكفار المفروم ؟؟!!!!