18 ديسمبر، 2024 11:07 م

هل حَقّاً يُوجَدُ في آلعَالم “شيعةٌ” أو “سُنّةٌ”؟

هل حَقّاً يُوجَدُ في آلعَالم “شيعةٌ” أو “سُنّةٌ”؟

تأمّلتُ صفات ألمسلمين في العراق وفي آلعَالم خصوصاً (الشّيعة) منهم ناهيك عن المذاهب الأخرى التي فرّقتهاآلسُّبل بعضها عن بعض بسبب المصالح و العصبيات فأصبحوا مذاهب و تيارات و أحزاب مختلفة؛ تأمّلتُ وضع آلأمّة الأسلامية .. فما رأيتُ فيهم مُؤمناً بآلله حقّاً وإنّما مظاهر و مُدّعيات و عصبيّات لأجل الدّنيا و الشهوات و التسلط, و حين زرت العراق ما رأيت إلا شرطيا غضباناً أو سياسياً منحرفاً أو عالماً متهتّكاً وتاجراً متعجرفاً أو شاباً ولهاناً, و أرجو أنْ يتّسع صدر آلقرّاء لمقالي (مقالاتي) لأنها ليست تقليديّة كما المقالات التي تُكتب للكسب وآلشهرة, فالعناصر الأساسيَّة الواردة أدناه لمفهوم (ألتّشيّع) كَدِينٍ حقيقيّ تُبرهن صحّة إستنتاجنا بعد المقارنة وهي:

طاعة الله؛ تقوى الله؛ التواضع؛ التخشع؛ الأمانة؛ كثرة ذكر الله؛ الالتزام بالصلاة؛ الالتزام بالصوم؛ البر بالوالدينن؛ التَّعاهد للجيران من الفقراء وأهل المسكنة؛ التعاهد للغارمين أي المديونين؛ التعاهد للأيتام؛ صدق الحديث؛ كثرة تلاوة القرآن؛ كفّ الألسن عن الناس إلا في خير؛ اتباع سيرة النبيّ(ص)؛ اتباع سيرة علي(ع) وأولاده المعصومين(ع)؛ كثرة السجود, كثرة الدموع من خشية (خوف) الله.

تلك عشرون صفة يُلزم الشّيعي المُشايع لأهل البيت(ع) أنْ يتَّصف بها و يلتزم بإجرائها، حتى يتحقّق مفهوم التّشيع بحقّ من يدّعي ألتّشيع, فهل يُوجد في العراق مسلماً و من أيّ مذهب إسلاميّ يتّصف بها حتى مراجع الدِّين؟

(ألتشيع) هو الإسلام:

فمفهوم (التّشيع) هو مفهوم (ألإسلام) بلا فرق بينهما و إنما تمّ أطلاق صفة (التّشيع) على الذين لم ينتموا للمذاهب الأخرى في عهد الأئمة للتميّز بينهم و بين أصحاب المذاهب ألآخرى التي ظهرت بعد وفاة الرّسول(ص) بمائتي عام و الحق أقول بأن لا البخاري ولا مسلم و لا أحمد ولا الشافعي رحمهم الله قد إدّعوا بأنهم أصحاب مذاهب وإنما السلاطين هم من أطّروها، ولو بحثنا عن حقيقة ألتّشيع، لرأيناهُ هو الإسلام ألذي فصّله القرآن والنهج المحمديّ الصّافي ألنّقي الَّذي لا تشوبه شائبة, لذلك، أكد الإمام الباقر(ع) أن التّشيع لهم وموالاتهم؛ هو طاعة الله وولايته والتقوى، فمن التزم ذلك، فهو لهم وليّ، ومَنْ عصى الله وخالفه؛ فهو لهم عدوّ حتى لو إدّعى مشايعتهم، كما قال لـجابر الجعفي في الرواية الآتية: [مَنْ كَانَ لِلَّهِ مُطِيعاً فَهُوَ لَنَا وَلِيٌّ، وَمَنْ كَانَ لِلَّهِ عَاصِياً فَهُوَ لَنَا عَدُوٌّ، وَمَا تُنَالُ وَلَايَتُنَا إِلَّا بِالْعَمَلِ وَالْوَرَعِ][1].

وعَنْ (مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ) عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الباقر(ع) قَالَ: [لَا تَذْهَبْ بِكُمُ الْمَذَاهِبُ، فَوَاللَّهِ مَا شِيعَتُنَا إِلَّا مَنْ أَطَاعَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ][2]، يعني لا تذهب بكم مذاهب الأفكار والكلام والتخيّلات، وتتَّكلوا علينا بدون عمل!؟

وفي الرّواية التالية، تؤكّد أنَّ المتخلّف عن تلك المفاهيم الحقَّة والصّفات العالية، يكون بعيداً عن التشيّع، كما ورد عَنْ (حُمَيْدِ بْنِ شُعَيْبٍ)، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: [سَمِعْتُهُ يَقُولُ إِنَّ أُنَاساً أَتَوْا أَبَا جَعْفَرٍ(ع)، فَسَأَلَهُمْ عَنِ الشِّيعَةِ: هَلْ يَعُودُ غَنِيُّهُمْ عَلَى فَقِيرِهِمْ؟ وَهَلْ يَعُودُ صَحِيحُهُمْ عَلَى مَرِيضِهِمْ؟ وَهَلْ يَعْرِفُونَ ضَعِيفَهُمْ؟ وَهَلْ يَتَزَاوَرُونَ؟ وَهَلْ يَتَحَابُّونَ؟ وَهَلْ يَتَنَاصَحُونَ؟ فَقَالَ الْقَوْمُ: وَمَا هُمُ الْيَوْمَ كَذَلِكَ].

فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ(ع): [لَيْسَ هُمْ بِشَيْ‏ءٍ حَتَّى يَكُونُوا كَذَلِكَ][3].

ألدّعوى الباطلة:

يُحاول البعض أن يشيع بين الناس أنّ مجرّد الانتساب إلى التشيّع لأهل البيت(ع)، كافٍ في تحقّق مفهوم التشيّع الصّحيح حتى دخول الجنة، ويكون سبباً في نجاتهم، حتى لو تقاعسوا عن العمل، بل يتمادى البعض إلى أبعد من ذلك، ويحاول أن يصوّر لهم أنّ مجرّد ممارستهم لبعض الأعمال البسيطة، كفيل بغفران ذنوبهم، وهذا ما شجَّع الكثير على التساهل في أمور الدّين، كما أن هذا في الواقع تغرير بهم وإيقاعهم في متاهات لا نهاية لها، وتربيتهم تربية منحرفة عن أهداف الأئمة(ع) .

ولكنَّ الروايات الواردة عن الإمام الباقر(ع) في هذا المجال، تخالف ذلك كلّه، وتفنّد هذه الدعوى، ففي الحديث الصحيح عَنْ (خَيْثَمَةَ)، قَالَ: [دَخَلْتُ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ(ع) أُوَدِّعُهُ، فَقَالَ: (يَا خَيْثَمَةُ، أَبْلِغْ مَنْ تَرَى مِنْ مَوَالِينَا السَّلَامَ، وَ أَوْصِهِمْ بِتَقْوَى اللَّهِ الْعَظِيمِ، وَأَنْ يَعُودَ غَنِيُّهُمْ عَلَى فَقِيرِهِمْ، وَقَوِيُّهُمْ عَلَى ضَعِيفِهِمْ، وَأَنْ يَشْهَدَ حَيُّهُمْ جِنَازَةَ مَيِّتِهِمْ، وَأَنْ يَتَلَاقَوْا فِي بُيُوتِهِمْ، فَإِنَّ لُقِيا بَعْضِهِمْ بَعْضاً حَيَاةٌ لِأَمْرِنَا، رَحِمَ اللَّهُ عَبْداً أَحْيَا أَمْرَنَا, يَا خَيْثَمَةُ، أَبْلِغْ مَوَالِيَنَا أَنَّا لا نُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِلا بِعَمَلٍ، وَ أَنَّهُمْ لَنْ يَنَالُوا وَلَايَتَنَا إِلَّا بِالْوَرَعِ، وَأَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ حَسْرَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ وَصَفَ عَدْلاً ثُمَّ خَالَفَهُ إِلَى غَيْرِهِ][4].

وهكذا، نرى الإمام(ع) يُؤكّد العمل والورع والتّقوى، و أنهم لن ينالوا ولاية أهل البيت(ع) إلا بالورع عن محارم الله .

دعوى ألحُبّ لا تكفي للتشيّع:

عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ(ع) قَالَ: قَالَ لِي: [يَا جَابِرُ، أَيَكْتَفِي مَنِ انْتَحَلَ[5] التَّشَيُّعَ أَنْ يَقُولَ بِحُبِّنَا أَهْلَ الْبَيْتِ؟ فَوَاللَّهِ، مَا شِيعَتُنَا إِلَّا مَنِ اتَّقَى اللَّهَ وَأَطَاعَهُ، وَمَا كَانُوا يُعْرَفُونَ يَا جَابِرُ إِلَّا بِالتَّوَاضُعِ، وَالتَّخَشُّعِ، وَالْأَمَانَةِ، وَكَثْرَةِ ذِكْرِ اللَّهِ، وَالصَّوْمِ، وَالصَّلاةِ، وَالْبِرِّ بِالْوَالِدَيْنِ، وَالتَّعَاهُدِ لِلْجِيرَانِ مِنَ الْفُقَرَاءِ وَأَهْلِ الْمَسْكَنَةِ، وَالْغَارِمِينَ، وَالأَيْتَامِ، وَصِدْقِ الْحَدِيثِ، وَتِلاوَةِ الْقُرْآنِ، وَكَفِّ الأَلْسُنِ عَنِ النَّاسِ إِلا مِنْ خَيْرٍ، وَكَانُوا أُمَنَاءَ عَشَائِرِهِمْ فِي الْأَشْيَاءِ] .

قَالَ جَابِرٌ: فَقُلْتُ يَا بْنَ رَسُولِ اللَّهِ، مَا نَعْرِفُ الْيَوْمَ أَحَداً بِهَذِهِ الصِّفَةِ .

فَقَالَ: [يَا جَابِرُ لا تَذْهَبَنَّ بِكَ الْمَذَاهِبُ، حَسْبُ الرَّجُلِ أَنْ يَقُولَ أُحِبُّ عَلِيّاً وَأَتَوَلاهُ، ثُمَّ لَا يَكُونَ مَعَ ذَلِكَ فَعَّالاً، فَلَوْ قَالَ إِنِّي أُحِبُّ رَسُولَ اللَّهِ، فَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله خَيْرٌ مِنْ عَلِيٍّ(ع)، ثُمَّ لا يَتَّبِعُ سِيرَتَهُ وَلا يَعْمَلُ بِسُنَّتِهِ، مَا نَفَعَهُ حُبُّهُ إِيَّاهُ شَيْئاً. فَاتَّقُوا اللَّهَ، وَاعْمَلُوا لِمَا عِنْدَ اللَّهِ، لَيْسَ بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ أَحَدٍ قَرَابَة.أَحَبُّ الْعِبَادِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَكْرَمُهُمْ عَلَيْهِ أَتْقَاهُمْ وَأَعْمَلُهُمْ بِطَاعَتِهِ .يَا جَابِرُ، وَاللَّهِ مَا يُتَقَرَّبُ إِلَى اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَّا بِالطَّاعَةِ، وَمَا مَعَنَا بَرَاءَةٌ مِنَ النَّارِ، وَلَا عَلَى اللَّهِ لِأَحَدٍ مِنْ حُجَّةٍ, مَنْ كَانَ لِلَّهِ مُطِيعاً، فَهُوَ لَنَا وَلِيٌّ، وَمَنْ كَانَ لِلَّهِ عَاصِياً، فَهُوَ لَنَا عَدُوٌّ وَمَا تُنَالُ وَلَايَتُنَا إِلَّا بِالْعَمَلِ وَالْوَرَعِ][6].
ألنتيجة: لو ظهر شيّعي أو سُنّي بهذه الصّفات, فيمكنك أطلاق صفة المؤمن االحقيقي أو (التشيّع) عليه, والحال أن الموجود في بلاد الأسلام هو عكس ذلك وآلمشتكى لله, فيرجى من آلمسلمين ألتّنازل وعدم إنتخال صفة الأيمان الحقيقيّ ومن تولّى فلهُ عذابٌ عظيم.
ألفيلسوف الكونيّ.

ـــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الكافي، الشيخ الكليني، ج 2، ص 74.
(2) المصدر نفسه، ج 2، ص 73.
(3) مستدرك ‏الوسائل، ج 8، ص 310، ح 9520.
(4) الكافي، ج 2، ص 17.
(5) ألإنتحال: هو آلدّعوى ألكاذبة الزّائفة.
(6) الكافي، ج 2، ص 74.