كيف تلقيت نبأ وفاتك؟ كيف تحملت تلك الصدمة؟ اهو الرحيل حقاً؟ هل رحلت إلى عالم ثان؟ أستاذي ومعلمي ذلك الطود الشامخ فناً وعلماً وتواضعاً… رحلت أستاذي تاركاً في نفسي ونفس تلامذتك ومحبيك حزناً عميقاً وغصةً في القلب، تضيف على كاهل متاعبنا وآلامنا ما لا طاقة لتحملها… بيد أن الفراق أصبح حتمياً برحيلك بكل شفافية وسلام كما كنت تتمتع به، عندما دخلنا إلى درسك الأول قبل أكثر من أربعة وعشرين عاماً.. كان وجهك البسام المفعم بالحياة ببسمتك الصادقة الخالية من الغدر والنفاق، التي علمتنا أن نتمتع بها، وان نتحدث بكل صدق مع أنفسنا أولاً ومع الآخرين، كنا نحبو بين يديك لنختط بكل عشوائية لا تعرف تنظيم التصميم وكنت المرشد والمعلم.. لا تشعرنا بأننا مبتدأين بل أن كل منا مصمماً بمعنى الكلمة!… زرعت الثقة في أنفسنا منذ مراحل الدرس الأول وجعلتنا نتعلم من أخطائنا بأنفسنا، ليتوازن التصميم، فالتصميم بدون توازن لا يمكن أن يكون تصميماً لأنه نظام والنظام لا يؤمن بالعشوائية والعبثية…
وعندما تخرجنا بعد أربعة سنوات من الدراسة تحت إشراف رجل لا يعرف المجاملة في العلم ونخشى أن نجادله في علمه ومهاراته وفنه وإبداعه، فهو القدوة والمثل الأعلى، ذهب كل منا إلى عالمه ودنياه التي تدخل عالم الغيب والضباب في بلد لا ولم يعرف الاستقرار يوماً.. إنها شبيهة بمرحلة جمع القوت عند الإنسان البدائي الأول… لقد وضعتنا على الطريق … انه الاختبار.. انه الامتحان وسؤال يحوم حولنا هل نحن مصممون حقاً ؟ لقد تدفقت علينا الكلمات ودلالاتها ومعانيها لنقف أمامها بدون حيرة وهم وغم وضياع وتردد… لقد تذكرت ما علمتنا به منذ الدرس الأول عندما قلت أن الفكرة تولد من التأمل والتفكير بدلالة الكلمة والحرف والمعنى. أستاذي أبي إبراهيم لم تكن يوماً من الأيام مجرد أستاذ اعتيادي درسنا ومضينا، بل كنت أستاذاً بمعنى خاص، متميزاً بقدرتك على احتواء طلبتك ومحبتهم لك، وتجمعهم حولك ومتابعتهم لأخبارك. وصحتك التي تدهورت بشكل متسارع خلال السنوات الأخيرة ولاسيما بعد ابتعادك قسراً بتقاعدك وانحسار مكانك الذي كان يتسع إلى كل فضاءات الجامعة بما أنجزت من فن راق، وخرجت من طلبة مخلصين محبين، ليكون مكانك محدداً منحسراً ضيقاَ لا يحمل غير الألم والوحدة والانعزال بعيداً عن الأحبة والمخلصين، على الرغم من قسوة الواقع والحياة وما يترتب عليها من مواقف تنعكس على العائلة ومسار حياتها اليومية… أنه الهم الجديد لك أستاذي… ولطالما حدثتني عن همومك وأثقال الدنيا… تباً لها كم هي مزعجة… لا تدع لنا مجالاً لحلها.. وفي كل مكالمة هاتفية كنت تئن من الألم والوحدة والانعزال وهموم العائلة وما يحيط بوطننا الحبيب من ضباب يختلط به الدخان لا يعرف متى ينقشع، وكنت تزيده دخاناً تتقصد به لتنتحر من واقعك المؤلم… ورغم ذلك كنت تروي لي آخر طرفة سمعتها ونضحك معنا رغم الألم والأحزان. سأبقى أستاذي الحبيب سارياً على دربك بما علمتني من حب وتفان وتواضع وشفافية لن أحيد عنها أبداً، سلام عليك أستاذي الحبيب الدكتور سامي حقي الغائب جسداً والحاضر روحاً تنطلق بكل نسمات المحبة، ستبقى جدران الصف تستذكر قهقهات ضحكاتك التي تملئ قاعة الدرس جمالاً وألقا ومحبة وسلام، فنم قرير العين.. لا أقول شيئاً فهذه مشيئة الله ولا اعتراض عليها… ويكفي لنا القول أن الذي أنجب أبناء لا يموت انك باق بأبنائك إبراهيم وجلال وباق بما أنجبت بمئات ومئات من الأبناء الذين ستبقى ذكراك حاضرة خالدة.. فهنيئاً لكل من درسه المعلم والأب والمربي الرائع الراحل الدكتور سامي حقي.