تمر هذة الايام ذكرى ثورة ١٤ تموز التي وصفها البعض بالمجيدة والبعض الاخر وصفها بالمشؤومة. وقبل الحديث عن الثورة لابد من بيان ابرز العوامل الاساسية التي ادت الى قيامها :
اولاً : الرفض الشعبي لحلف بغداد الذي تأسس في عام ١٩٥٥ وكان يضم العراق وتركيا وبريطانيا وايران وباكستان الذي كان يمثل انحياز كامل للمعسكر الغربي بما يتعارض مع المواثيق العربية ..
ثانياً : الاتحاد الهاشمي بين العراق والاردن وكان الغرض منه محاربة الوحده بين مصر وسوريا ( والمفارقة بعد الثورة، العراق اول من ايد الانفصال بين مصر وسوريا حيث اعلن عبد الكريم قاسم في يوم ٩ تشرين الاول عام ١٩٦١ اعترافه بحكومة الانفصال وتولى القنصل العام العراقي في دمشق نقل اعتراف العراق الى مأمون الكزبري رئيس حكومة الانفصال في سوريا ونقلت وكالة الانباء العراقية قول الكزبري .. ( انها ليست رسالة اعتراف فحسب بل انها تحتوي على عواطف اخوية ومشاعر سامية ) لذلك العراق كان اول بلد عربي يستقبل دبلوماسي سوري يمثل النظام الانفصالي الجديد في سوريا ..
ثالثاً : العدوان الثلاثي على مصر عام ١٩٥٦ بعد تأميم قناة السويس وموقف الحكومة العراقية المشبوه من العدوان وكان رد الفعل على هذا العدوان تأليف جبهة وطنية سميت بجبة الاتحاد الوطني مؤلفة من الحزب الوطني الديمقراطي وحزب الاستقلال والحزب الشيوعي وحزب البعث العربي الاشتراكي واصدروا بيان في التاسع من اذار ١٩٥٧ للعمل من اجل اسقاط الحكم الذي يمثله نوري السعيد وعبد الاله وقداستطاعت الجبهة من تعزيز صلاتها بالعسكريين العراقيين ذوي النزعة الوطنية بهدف تنسيق الجهود لاسقاط الحكم الملكي .. ولكن بعد نجاح الثورة حنث قادة الثورة بالوعود التي وعدوا بها الجماهير العراقية ومنها تشكيل مجلس سيادة في اليوم الاول للثورة بدلاً من مجلس قيادة الثورة خلافاً لما كان متفق علية من قبل الضباط الاحرار، بالاضافة الى المجازر الدموية بحق العائلة المالكة ورموز الحكم الملكي وبات كل طرف يتهم الاخر بالقيام بها، وايضاً سرعان ما اشتد الخلاف بين قادة الثورة واستقالة القوى السياسية التي كانت مؤتلفة ضمن الجبهة الوطنية قبل الثورة واستقالة العديد من وزرائها حتى وصل الحد باتهام الثورة بانها وصلت عبر القطار البريطاني الامريكي لما اريد للمنطقة من تغيرات سياسية بعد بروز القطب الامريكي كقوة فاعلة في العالم على حساب الامبراطورية البريطانية وان من المؤشرات التي تشير الى ذلك :
مقابلة السفير البريطاني للزعيم عبد الكريم قاسم في صباح اليوم الثاني للثورة أي في يوم ١٥ تموز بحضور نائبه عبد السلام عارف، وايضاً في مساء نفس اليوم قابل الزعيم السفير الامريكي بحضور ناجي طالب وزير الشؤون الاجتماعية، وكلا السفيران ابلغا حكومتهما ان الارضاع في العراق تسير نحو الاستقرار .. وفي الاول من آب عام ١٩٥٨ طلب السفير البريطاني مرة اخرى مقابلة الزعيم عبد الكريم قاسم وسلمه مذكرة اعتراف بريطانيا بالحكم الجديد في العراق، وايضا في اليوم التالي في ٢ آب قابل السفير الامريكي وزير الخارجية عبد الجبار الجومرد وابلغه اعتراف امريكا بالنظام الجديد، وفي اليوم نفسه اوفدت امريكا روبرت مورفي الى العراق كمبعوث للرئيس ايزنهاور الذي لاقى مضاهرات صاخبة وردة فعل جماهيرية ضد هذا المبعوث المشبوه مما حصلت صدامات بين الجماهير والشرطة ادت الى سقوط جرحى ومصابين من بين المتظاهرين لرفضهم قدوم مورفي واستقباله من قبل الزعيم عبد الكريم قاسم الذي اجرى معه حوار مطول حول الرؤيا المستقبلية للعلاقات الثنائية والاقليمية والذي تم تطمين امريكا على مصالحها في العراق وايضاً تم اقناع الادارة الامريكية بأن عبد الكريم قاسم لا يفكر في الوحدة الفورية مع مصر. وهذا ما أثار كثير من علامات الاستفهام بمعنى ان الثورة منذ بدايتها لم تكن في مواجهة مع القوى الامبريالية وانما ابقت الباب مفتوح ليس مع بريطانيا وانما دخول امريكا من الشباك لمناهضة التوجهات الوطنية والقومية للثورة التي لاقت اطمئنان من خلال لقاء قاسم – مورفي خصوصاً فيما يتعلق بموضوع الوحدة مع مصر هذا المطلب الذي كان يناضل من اجله جماهير الشعب العربي من المحيط الى الخليج لذلك كان لهذا الموقف أثر في ظهور بوادر الخلاف بين عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف ذو الميول القومية والوحدوية الذي لاقى دعم من القوميين مما اثار حفيظة عبد الكريم قاسم والشيوعيين الذين تقربوا من قاسم واعتبروا عبد السلام يشكل خطراً على خططهم وافكارهم خصوصاً دعواته المتكررة للوحدة الفورية مع الجمهورية العربية المتحدة وقد تعمق الخلاف بين القطبين الرئيسيين وانتقل الى الشارع العراقي بعد التصدع الذي اصاب قادة الثورة وانقسام القوى السياسية في العراق وتحولت تلك الخلافات الى صراعات دموية انعكست على مختلف المحافظات العراقية ومنها الموصل وكركوك وما تخللها من هرج ومرج وسحل واعدامات شملت البعض من الضباط الاحرار المشاركين في الثورة، والى ما تلاها من سلسلة انقلابات عسكرية أوصلت العراق الى الجحيم الذي نحن فيه.