18 ديسمبر، 2024 11:58 م

هل تقايض السعودية لبنان بإقليم كردستان؟

هل تقايض السعودية لبنان بإقليم كردستان؟

تمر العلاقات السعودية اللبنانية بأزمة حادة، بعد عدد من المواقف الخارجية اللبنانية والتي اعتبرتها السعودية سلبية تجاهها، كانت خاتمتها بموقف بيروت في الجامعة العربية ومؤتمر القمة الاسلامي في قضية الاعتداء على سفارة المملكة في ايران، من جانبها قررت الرياض تطبيق حزمة من الإجراءات العقابية، ابتدأتها بإيقاف المنحة العسكرية والتي تقدر قيمتها بـخمسة مليارات دولار امريكي، فيما تهدد بطرد آلاف العاملين اللبنانيين وعوائلهم.يبدو ان زمن التفهم السعودي للتناقضات اللبنانية ومراوغات سياسيها قد انتهى، فالصراع الاقليمي والذي بدأ ينحو منحا حاسما، يتطلب منها اختيار حلفاء يتبنون سياستها الخارجية بدون نقاش او تفكير، وهذا ما لا تجده في لبنان المنقسم الى فريقين متصارعين، وكل منهما يميل الى طرف في هذه الحرب.أن ما يدفع السعودية لخيار الحسم تجاه حلفاءها، ليس سياسيا فحسب بل اقتصاديا ايضا، فالمال الذي تغدقه في لبنان لم يعد جنيه سهلا وفي متناول اليد كما كان في الماضي، فأسعار النفط المتهاوية تجعل منها تفكر الف مرة قبل انفاق أي دولار هنا وهناك، فما بالك بمال يهدر في صراع داخلي لن يجديها نفعا في حربها الحالية، وهي ترى أن كفة الجبهة الداخلية تميل باتجاه حزب الله وحلفاءه، وهو يفرض اجنداته السياسية الخارجية والداخلية، وبات عودة فريقها للمنافسة يتطلب جهدا سياسيا وماليا كبيرا.       هذا ما يجعل المملكة تبحث عن شركاء اقليمين جدد، تضمن ولائهم المطلق ويمكن لها أن تجني مكاسب اكبر وبخسائر اقل الى حد كبير، والواضح انها تتجه نحو اقليم كردستان ليحل محل لبنان في هذه المعادلة، وهذا ما توحي به بعض المؤشرات التي اخذت تطفو على السطح. ومن ابرز تلك المؤشرات افتتاح المملكة مؤخرا قنصلية لها في اربيل، ما يعد تغييرا جوهريا في العلاقات بين الطرفين، والذي سيضمن تواجدا رسميا سعوديا دائما، ومن جهة اخرى فأن اختيارها هذا التوقيت، وكردستان  تعاني من أزمة اقتصادية خانقة، يشير بما لا يقبل الشك إلى أن تواجدها لن يكون دبلوماسيا فقط، وهذا ما عززه قنصلها عبد المنعم عبد الرحمن وخلال لقاء جمعة بمحافظ اربيل بتصريحه بأن “المملكة لن تتخلى عن اقليم كردستان بأي شكل من الاشكال”، فهل بدأت خطوات التغلغل السعودي بالإقليم لتحويله الى حليف استراتيجي؟.أن الاقليم بما يمتلكه من مقومات تجعله من الحلفاء الذين تبحث عنهم السعودية في صراعها الإقليمي لمقومات عديدة، في مقدمتها التجانس الديني والطائفي بين الطرفين، والذي يمثل جانبا خطيرا في ظل ما نشهده من إصطفافات وصراعات دينية طائفية، ومن جهة أخرى فأن المشروع السعودي التركي في خلق اقليم سني بالعراق، لن يكون في متناول اليد على الامد القريب أو المتوسط، خاصتا وان اغلب مناطق العرب السنية محتلة من قبل داعش، وفي حال تحريرها ستكون شبة مدمرة من اثر العمليات العسكرية. فيما تعتبر كردستان اقليما مهيأً تنظيميا واداريا وحكوميا، واقرب ما يكون الى الدولة، وهذا ما يوفر على المملكة عناءً في مختلف الاتجاهات السياسية والمادية، وما سيمنحها موطئ قدم في حيز جغرافي استراتيجي، فهو ملاصق لحليفتها تركيا من جهة، ومطل على غريمتها ايران ومن بوابة العراق.  فيما تجبر الضائقة المالية الخانقة التي تعاني منها كردستان على تقديم أي تنازلات كانت لضمان إنقاذها من ازمتها العصيبة، وسط تفاقم الخلافات مع حكومة بغداد القريبة بشكل او باخر من سياسات ايران، وفشل اغلب الجولات التفاوضية بينهما ووصولها الى طرق مسدودة، ومن جهة اخرى فتور العلاقات السياسية التاريخية بين الكرد عموما والاطراف السياسية الشيعية بمختلف توجهاتها، ما يجعل الاجواء مهيأة لفتح ابواب الإقليم على مصراعيها أمام المنقذ السعودي، والذي سيمنح الإقليم دفعا في طريق استقلاليته الاقتصادية عن المركز.فيما سيوفر الغطاء السعودي للحزب الحاكم في للإقليم للحسم السياسي الداخلي، أذ اسهم في ايجاد حلول للمشاكل الاقتصادية والتي ستحسب له “الحزب الحاكم”، ما سيجعله يهمين على مراكز صنع القرار، وسيضعف قوى المعارضة التي ترتكز على الازمة الاقتصادية لإظهار فشل الحكومة في ادارة هذا الملف.فهل نشهد تغييرا في الاستراتيجية السعودية، وتترك لبنان لإيران في مقابل حليفا جديدا؟، أم انها ستفتح جبهة اخرى لصراعها الاقليمي في قلب العراق يضاف الى لبنان واليمن وسوريا؟، وفي الوقت ذاته ماذا عن حلفاء السعودية بلبنان والتي اخذت تسحب تدريجيا من دعمها لبلادهم، فهل سيتركون أيران تنفرد بالقرار السياسي، وسط خلافات وتجاذبات اخذت تضرب معسكرهم؟، ومن جهة اخرى فهل ينظم اقليم كردستان الى المعسكر السعودي على امل الخروج من عنق الزجاجة وانقاذا لاقتصاده المتهاوي؟، أم ستناور حكومته كالمعتاد وتمسك العصى من الوسط في هذا الصراع الإقليمي؟.