17 نوفمبر، 2024 11:23 ص
Search
Close this search box.

هل تعتذر أمريكا للشعب العراقي؟

هل تعتذر أمريكا للشعب العراقي؟

دائماً ما كُنتُ أبحث عن تفسيراً لِحكمة تقول “لايوجد أبّلغ من العاهرة حين تتحدث عن الشرف” لإجد هذه الحقيقة المؤسفة واقعاً نتعايش معه في أيامنا وزمكاناتنا.

بعد مايُقارب العقدين من الفوضى والإنحلال والفساد وخراب البلد وضياع السيادة وتناثر الجُثث على أرصفة الشوارع وفقدان بلد بِفعلٍ فاسق جائهم بنبأ كاذب عن إمتلاك العراق أسلحة دمار شامل لم يتبيّنوا حقيقة هذا النبأ فإستباحوا غدراً البلاد والعباد، وهاهو العُهر السياسي يفضح نفسه بعبارات البراءة والتنصّل من الذنب والحسرات، فماذا نقول لكم؟.

بعد عقدين يعترف غُزاة العراق أنهم كانوا مُخطئين، لكن إعترافهم بالذنب جاء مُتأخراً، فوقاحة إعترافهم تكمن في تبريرات وذرف دموع التماسيح على الحال الذي أوصلوا إليه العراق، مجلة (إيكونوميست) البريطانية تختتم تحليلها بالقول “لقد سَئمتْ أمريكا من مُجالسة الأطفال في بلاد كلّفتها أكثر من أربعة آلاف جندي ومئات المليارات من الدولارات”، أما وقاحة صحيفة (نيويورك تايمز) الأمريكية وصلت إلى درجة إعتبار العراق دولة فاشلة داخلياً وخارجياً وعلى جميع المستويات السياسية والأمنية، مُتّهمة بِمن جلبتهم من أرصفة الشوارع وأزقّة التسوّل بأنهم السبب في ذلك الفساد الرهيب الذي يُعاني منه البلد، فأيُّ وقاحة بعد ذلك يوصفون بها؟.

الصحيفتان الأمريكية والبريطانية ربما لم تتجرأ حتى السؤال عَمّن جاء بهؤلاء السُلطويون وإستمّكنهم من حُكم العراق ومَن المسؤول الذي أوصل هذا البلد إلى حضيض الإنهيار، في حين كان الأجدر بهم أن يسألوا ذلك السؤال الى جورج بوش الأبن وتوني بلير رئيس وزراء بريطانيا الأسبق الذين جَيّشوا أكثر من ثلاثين جيشاً لدول مُتعددة من أجل غزو العراق وشعبه.

الغريب أنه بالرغم من كُل هذا الدمار والتخريب لم يعترف “الشيطان الأكبر” بِمسؤوليته عن الضرر وأخطائه التي إستباحتْ العراق، لكنه يُبرّر تلك الأفعال بأنه كان يُريد إقامة دولة ديمقراطية، في حين إن العالم الذي يَدّعي السلام ومُناهضة العُنف لو كان يحتكم على قليل من مبادئ الشرف والحكمة لفرض على نفسه إقامة مُحاكمة عادلة بِتُهمة جرائم الإبادة الجماعية والتطهير لِكُل من بوش وبلير عن أفعالهم النكراء في العراق، ثُم أين دور المُنظمة الأممية وأمينها العام في ذلك الوقت كوفي عنّان من كُل ما كان يحدث، وكيف إرتضتْ لِنفسها السكوت أو حتى التواطؤ مع إرادات الغُزاة؟.

هاهو العراق الذي سَمّوه البوابة الشرقية للأمة العربية يوماً ما يتهاوى وتسقط معه كُل أعمدة المعبد، فَمن المسؤول عن ذلك؟ أمريكا أم الذين جلبتهم معها أم ذلك الشعب الذي ذاق ويلات الحروب والحِصار لِيختُم أيامه بالفساد واللصوصية؟ من المسؤول عن ذلك ياراعية الديمقراطية؟ هاهم بيادق الإحتلال يعيثون فساداً في الوطن فهل نبتسم أو نستبشر خيراً لِمن يقول أن العراق أصبح فاشلاً؟ هل يستطيع هذا الإعلام الغربي الذي أعلن براءة أولئك الغُزاة أن يسألهم من المُسبب في كل ذلك الخراب؟ هل كان صدام حسين فعلاً يمتلك أسلحة دمار شامل؟ وهل يكفي أسف توني بلير للوضع المأساوي في العراق وإعتذاره مُبرراً ذلك بِحُسن النيّة كما يدّعي؟ ربما كان العراقيين سيجدون بعض العُذر في ذلك الوقت لِمن إنتهك بَلدهم ودمّر شعبهم لإقناعهم بحجة الخلاص من الديكتاتور، لكن بعد مرور أكثر من (19) عاماً من زمن الخراب بات لايشفع لهم حتى ولو كان بِحُسن نِيّة وسواء إعترف إعلامهم بخطاياهم أم لم يعترف فشواهد الجريمة في تدمير هذا البلد لن تمحوها تبريرات أو دموع لأن العراقيين يعلمون جيداً أنها دموع التماسيح.

أحدث المقالات