23 ديسمبر، 2024 5:57 ص

هل تعتبر مفاتحة مجلس القضاء الأعلى للإشراف على التحقيق تدخل في عمل القضاء؟

هل تعتبر مفاتحة مجلس القضاء الأعلى للإشراف على التحقيق تدخل في عمل القضاء؟

المحكمة الاتحادية العليا توصلت الى نتيجة مفادها بان (مفاتحة مكتب رئيس الوزراء لمجلس القضاء الأعلى بتسمية قاضٍ ونائب مدعي عام للإشراف على إجراءات التحقيق يعتبر أخلالاً جسيم بمبدأ الفصل بين السلطات ولمبدأ استقلال القضاء) وعلى وفق ما ورد في النتيجة الثانية التي توصلت اليها المحكمة الاتحادية العليا في الصفحة الخامسة من قرارها العدد 169/اتحادية/2021 في 2/3/2022 الذي قضى بعدم دستورية الأمر الديواني 29 في 27/8/2020 ، وهذا الاستنتاج الذي اصبح امرأ ملزماً بعد ان قررته اعلى هيئة قضائية في العراق، لذلك لابد من الوقوف على ذلك وتحليله لان أثاره ستطال مراسلات أخرى بين بين مؤسسات الدولة، وسأعرض له على وفق الاتي:
ان التدخل في أي عمل لا يقرره القانون، يعتبر فعلاً مخالفاً يستوجب صده ومنعه، لكن كيف يكون هذا التدخل وباي شكل ، فهل مجرد الطلب من أي جهة يشكل تدخلا في عملها؟ الجواب كلا ، لان التدخل يكون عندما ترغم هذه الجهة على إجابة الطلب المخالف للقانون، وهذا يقودنا إلى سؤال اخر هل كان مجلس القضاء مجبر على إجابة طلب مكتب مجلس الوزراء؟ وهل للمكتب سطوة لا يمكن تداركها من مجلس القضاء الأعلى حتى يرضخ لطلبه؟ الجواب بالتأكيد كلا، لان الدستور والقانون يمنع ذلك فضلاً عن قوة الإرادة للقائمين على شؤون القضاء وعدم رضوخهم لأي ضغط ومن أي جهة كانت وهذا ما لمسناه في مواقف عديدة منذ ان وجد القضاء في العراق والشواهد التاريخية والحاضرة كثيرة.
ان مكتب رئيس الوزراء هو جهة تنفيذ ومتابعة أعمال رئيس الوزراء ويعمل تحت امرته وبناء على توجيهاته، فهل مخاطبة المكتب لأي جهة سواء كانت قضائية أو تشريعية يعد تدخلاً، فاذا سار الأمر على ما عليه فان المكتب لا يستطيع تسيير أعمال رئاسة الوزراء، وسيصيب التعاون بين السلطان الوهن والتوقف. وينعدم التعاون في المعالجة لأي امر كان.
هل اعلن مجلس القضاء الأعلى ان تلك المفاتحة تعد تدخلاً، وهل طلب من المحكمة الاتحادية العليا ان تتدخل لان الأمر يعد تدخلاً في مهامه؟ وهل استمعت المحكمة إلى رأي المجلس بهذا الصدد؟، ام إنها استنتجت ذلك من خلال ادعاء المدعي الذي له مصلحة في الغاء تلك اللجنة التحقيقية.
ان الوقائع المعلنة عبر موقع مجلس القضاء الأعلى بمجملها تشير إلى ان مجلس القضاء الأعلى كان داعم ومراقب لعمل اللجنة عبر الهيئة القضائية التي شكلها لهذا الغرض، ومن هذه الشواهد لقاء رئيس مجلس القضاء الأعلى بتاريخ 9/12/2020 مع رئيس وأعضاء اللجنة النيابية المُشكلة للاطلاع على أعمال اللجنة التحقيقية المُشكلة بموجب الأمر الديواني (29) في 27/8/2020 ووبحضور رئيس الادعاء العام ورئيس هيئة الإشراف القضائي والقضاة وعضو الادعاء العام وأعضاء الهيئة التحقيقية القضائية المكلفة بنظر قضايا اللجنة التحقيقية المشكلة بموجب الأمر الديواني (29) في 27/8/2020 ، وكان رئيس المحكمة الاتحادية العليا حاضراً في حينه بوصفة رئيس هيئة الإشراف القضائي ، فاذا كان طلب مكتب رئيس الوزراء تدخلاً في عمل القضاء فهل يمكن لنا ان نتصور ان هذا الحضور من قيادات القضاء العراقي لم يلتفتوا اليه؟، بل على العكس كان مدافعاً عنها بدليل الخبر الذي نشره المركز الإعلامي لمجلس القضاء الأعلى في موقعه الإلكتروني بتاريخ 19/10/2020 جاء فيه الاتي (بان كافة المتهمين الموقوفين على ذمة التحقيق في قضايا اللجنة التحقيقية المشكلة بموجب الأمر الديواني رقم (29) تم اللقاء بهم أما من قبل ذويهم أو محاميهم بإشراف الهيئة القضائية المختصة بالنظر في قضاياهم”، مبينا أن “ذلك يعد سياق عمل ثابت يشمل جميع الموقوفين) كما ان مجلس القضاء الأعلى سبق وان أوعز إلى عضو الادعاء العام في الهيئة التحقيقية القضائية المكلفة بالنظر في القضايا المعروضة من قبل اللجنة التحقيقية المشكلة بموجب الأمر الديواني المرقم (29) في 27/8/2020 بزيارة الموقوفين على ذمة التحقيق للاطلاع على حالتهم الصحية وظروف توقيفهم. وعلى وفق ما نشره المركز الإعلامي لمجلس القضاء الأعلى بتاريخ 15/10/2020، وهذا دليل على قبول مجلس القضاء الاعلى وعدم اعتراضه.
من خلال ما تقدم أرى ان تلك النتيجة الثانية من النتائج التي وصلت اليها المحكمة الاتحادية العليا والتي كانت من أسباب الحكم بعدم دستورية الامر الديواني 29 لم تتنفق مع واقع العمل اليومي للجنة ولمجلس القضاء الأعلى، لان التسليم بها سيؤدي إلى ثلم الثقة بقضائنا الذي نعتز به، لأنه هو الملاذ الأخير للمواطن ويجب ان يكون سداً واقيا من تغول السلطة أي كان نوعها تجاه المواطن.