23 ديسمبر، 2024 4:28 ص

هل تعتبر سوريا “دولة مارقة” ؟

هل تعتبر سوريا “دولة مارقة” ؟

في كتابة الصادر بعنوان : الدولة المارقة ، يقدم تشومسكي كعادته مفاهيم جديدة ومصطلحات أخرجها إلى السطح وسلط الضوء عليها ، كمفهومه الرئيسي في كتابه هذا ” الدولة المارقة” والذي وصف به الدول الخارجة عن القانون والغير المتقيدة بالاتفاقيات والمعاهدات الدولية وخاصة التي تنص على الديمقراطية واحترام حقوق الانسان وغيرها مطلقا عليه سبغة “المارقة”.
والذي يلعب هذا المفهوم كما عبر تشومسكي “دورا بارزا في تخطيط السياسة وتحليلها” خاصة مثل ما أوضح تشومسكي حالة العراق حين تم إضفاء صفة الدولة المارقة عليها وما تشكله من تهديد لجيرانها عبر حالة استنساخ جديدة لزعيم الحزب النازي هتلر في العراق ، مما أضحت هذه الدولة-العراق- نموذجا صارخا للدول الخارجة عن القانون ، الأمر الذي استدعى واقتضى من الدول التي تدّعي بأنها “حامية” للقانون الدولي وحامية لمبادئ العدالة والحرية وحقوق الإنسان أن تنهال بضرباتها العسكرية و أن تنزل قواتها على هذا البلد العربي بحجة تهديد الأمن الدولي عبر امتلاكها أيضا لأسلحة الدمار الشامل .
ويوضّح تشومسكي بأنّ الولايات المتحدة وشريكتها الصغرى حسب تعبيره-ويقصد بريطانيا- قد اعترفتا ونادتا بالإطار القانوني في ميثاق الأمم المتحدة بما يقوله ” إن مجلس الأمن سيحدد وجود أي تهديد للسلام ، أو إنتهاك للسلام ، او أي عمل عدواني ، وسيقوم بالتوصيات او يقرر ما الإجراءات التي ينبغي اتخاذها وفقا للمادتين 41 و 42 ” . وبذلك ما عمل الولايات المتحدة الأمريكية وشريكتها وحال
فيا هل ترى ؟ هل سوريا دولة مارقة ؟ أم ماذا ؟
يلعب تشومسكي بالألفاظ كعادته ، ويلعب مستهزئا بالولايات المتحدة وشركائها في عمليات الدمار الشامل التي تقودها الولايات المتحدة تحت غطاء حقوق الإنسان والديمقراطية ، لا سيما و أنها لا تمشي في كل أفعالها وخططها إلاّ وراء مصالحها فقط .
فلماذا سوريا ؟ وهل سوريا دولة مارقة ؟
انطلاقا من الموقع الجغرافي الاستراتيجي الذي تحتله سوريا كدولة واقعة في غرب آسيا على الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط والتي تعتبر بدورها حلقة الوصل بين آسيا و أوروبا و إفريقيا ، مما أكسبها موقعا استراتيجيا برز دوره منذ القدم عبر ما كانت تمثله سوريا من أهمية في إطار الحضارات والممالك التي قامت فيها ، وما شكلته من عظم جغرافي أكسبها قوة ومنعة وهيمنة على كل الإقليم المجاور لها ، واكبر دليل على ذلك الاقتتال الذي كان يحصل على سوريا ومدنها وقراها من الممالك و الإمبراطويات المسيطرة ، فمن يرى سوريا يرى المجاور لها ويسيطر ، ومن يرى المجاور لها يرى العالم ويسيطر .
ومن الناحية الاقتصادية ، فان سوريا قد وصلت الى مرحلة من الاكتفاء الذاتي في مواردها ومنتجاتها داخل نظام اقتصادي متنامي معتمد على الزراعة بشكل أساسي ، إضافة إلى الخدمات متمثلة ب : السياحة والصناعة والثروات التي تحتويها .
حيث وصلت سوريا في اقتصادها إلى المرتبة السادسة عالميا بإنتاج الزيتون ، والعاشرة في إنتاج القطن ، هذا إضافة إلى المحاصيل الأخرى ، التي شكلت مع سابقتها ما يقارب نسبة 26% من الدخل القومي حسب إحصاءات عام 2007 .
فضلا عن السياحة والصناعة النامية والمتعددة كالصناعات الغذائية والثقيلة والمنسوجات وتكرير النفط والسيارات ومواد البناء وغيرها .
وبمؤشرات التنمية وصلت على مستوى الناتج الإجمالي المحلي ال 32.03 مليار دولار ، فضلا عن المستويات العالية والمتقدمة في مجالات التعليم والصحة ، والحياة السياسية والمساواة والعدالة ، وكل ذلك داخل دولة نصت في دستورها وتشريعاتها وقوانينها على احترام الجميع وتكفل الدولة لحريات المواطنين ، كما نصت المادة 3 من الدستور على : ” يكفل الدستور حماية التنوع الثقافي للمجتمع السوري بجميع مكوناته وتعدد روافده ، باعتباره تراثا وطنيا يعزز الوحدة الوطنية في إطار وحدة أراضي الجمهورية العربية السورية” .
فضلا عن غيرها من البنود والمواد والتشريعات التي تحتفظ للمواطن بحقوقه وتضمن هذه الحقوق و إعطاء الحريات ، فضلا عن كرامة المواطن التي ستصان داخل الأراضي العربية السورية .
كما نصت المادة 23 من الدستور السوري :”
1 – الحرية حق مقدس وتكفل الدولة للمواطنين حريتهم الشخصية وتحافظ على كرامتهم و أمنهم .
2- المواطنة مبدأ أساسي ينطوي على حقوق وواجبات يتمتع بها كل مواطن ويمارسها وفق القانون .
3 – المواطنون متساوون في الحقوق والواجبات ولا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس او الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة .
4 – تكفل الدولة مبدأ تكافؤ الفرص بين المواطنين .
وسوريا بطبيعتها ونسيجها الاجتماعي عبارة عن فسيفساء عتيقة لطالما حوت على أرضها العديد من الاعراق والاجناس والديانات والطوائف ، ولطالما كانت سوريا عبارة عن البوتقة التي حوت الجميع ، وصهرتهم حديثا داخل قالب “الجمهورية العربية السورية ” التي احتضنت الجميع ، والفت بين الجميع ، حتى وان ظهرت بعض الاخطاء الفردية ، فتلك ليست بثقتفة الشعب ولا بأخطاء النظام .
في حين أن النظام القائم في سوريا ،وان امتلكته ووصلت إلى السلطة فيه أقلية من الأقليات داخل الأراضي العربية السورية هي جزء لا يتجزأ من المكون الاجتماعي والطبيعة الاجتماعية التي تقطن الأرض السورية . وهي في ذلك تعتبر مظهرا من مظاهر الديمقراطية والحضارة والحداثة التي ينادون بها ، فالأكفأ وصل إلى السلطة عبر مسار قانوني بعيدا عن اي أنبوب دم قد تم تركيبه ، وكل ذلك داخل جمهورية عربية سورية دستورها نص في المادة الثانية منه على : نظام الحكم في الدولة نظام جمهوري ، والسيادة للشعب ولا يجوز لفرد أو جماعه ادعاؤها ، وتقوم على مبدأ حكم الشعب بالشعب وللشعب ، أليس هذا ما نادى به كل مفكرو العقد الاجتماعي .
فاذا كان الرد : كل ذلك حبر على ورق ، وما حدث يخالف كل ما قيل وكل ما كتب ، والواقع ينفي كل ذلك .
فالرد على الرد ب: كل دين في العالم وكل دستور متحضر في العالم يحتوي على ما كتب وما جاء في الدستور السوري ، وما ألقاه النظام السوري من كلام وخطابات كان قد ألقاه من قبل كل نبي وكل رسول وكل زعيم سياسي او زعيم ديني او غيره ، والقاه كل ثائر وكل مصلح سياسي وديني واجتماعي وكل خائف على وطنه ، وكل صاحب قضيه كان قد ألقاه وسيلقيه . لكن في سوريا الأمر واضح ، وسوريا وان “مرقت” –حسب تعبير تشومسكي- على بعض القوانين والتشريعات ، إلاّ أن ذلك يعتبر “خطأ منها ” كحادثة فردية بسيطة فقط وليس نهجا قائما كما تملكه اغلب الدول في الشرق وفي الغرب ، والتاريخ والحاضر يشهدان على ذلك ايضا . والتي لا تستطيع الولايات المتحدة ولا غيرها ولا يمتلكان القدرة على إعلان الحرب ورفع شعارات الديمقراطية وحقوق الانسان وغيرها من المفاهيم أل”لمّامة” طالما ان مصالحها تتفق مع وجود هذه الدولة او غيرها . والحاضر يشهد بالكثير من النماذج على ذلك، والتي ساهمت بشكل مباشر او غير مباشر ودفعت بالدولة السورية إلى الهاوية حفاظا على نفسها وحفاظا على علاقاتها بالولايات المتحدة و إسرائيل والتي هي فقط توابع و أذرع لها بعيدا عن أن تكون حليفة لها ، أو مخافة عودة المجد السوري وامتدادات سورية التي ستطال ما تطاله يديها وتحطم أول ما تحطم دولة الاحتلال القائمة في فلسطين .
لكننا سنتذكر ما قاله روجية غارودي في كتابه “ملف اسرائيل” الصادر عام 1982 ، والذي أورد فيه الكاتب نقلا عن مجلة “كينوفيم ” الإسرائيلية القائمة آنذاك والتي تحدثت عن الخطط الإسرائيلية والنوايا التي تهم إسرائيل على القيام بها و أهمها تحطيم العراق وسوريا وتفريقها الى مناطق تقسيما طائفيا يختفي معه الخطر السوري او العراقي على دولة الاحتلال في فلسطين .
الأمر الذي يفسر أن ما حدث في سوريا لم يكن لكونها مارقة أو أنها انتهكت حقوق مواطنيها وخرقت الأعراف والتقاليد وتعدّت على الحريات والأملاك والمصطلحات ال”لمّامة” التي سبق ذكرها ، و إنما عبارة عن مؤامرة خارجية تمت حياكتها من أطراف عدة ، وكل منهم حسب مصالحه قد حاكها ، فقد اشتركت مصالح الأطراف الفاعلة واختلفت أيضا ، ولكن في النهاية تم اختيار الأرض السورية لتكون ساحة الصراع ، فهم ان اختلفت مصالحهم او اجتمعت ، فالهدف الأسمى واحد وهو إنهاء “الجمهورية العربية السورية “