23 ديسمبر، 2024 6:07 ص

هل تضيء الكهرباء مصابيح الطريق

هل تضيء الكهرباء مصابيح الطريق

عندما انتفض الجنوبيون على عهد الطاغية صدام وصمتهم الحكومة آنذاك بالغوغاء، والأغراب القادمين من وراء الحدود، بل إن بعض الصحف الحكومية كتبت مقالات – نسبها البعض لصدام نفسه – صورت أبناء الجنوب من الشيعة بأنهم شعب من الزط الهنود ساقهم قدر تاريخي على ظهور جواميسهم باتجاه بطائح العراق، وسباخه المالحة!

يومها كان الجنوبيون يشعرون، بمرارة، بأن النظام يتعامل معهم بمنطق التمييز الطائفي والمناطقي، وكانوا يظنون بأن تطلعاتهم لحياة حرة كريمة لا يحققها سوى “حاكم جعفري”، على حد تعبير هتافهم المشهور آنذاك.

كرّت الأيام، وجاء الحاكم الجعفري المرتقب، كغيمة سوداء بعد محل، وانفرجت أسارير الجنوبيين بالآمال، وامتلأت سلالهم بالوعود، وكانت أسعد اللحظات بالنسبة لهم تلك اللحظة التي يتخيلون الصحراء المترامية الأطراف وهي تزدحم بالمنازل والمدارس والشوارع النظيفة التي وعدهم باقر جبر صولاغ بإنجازها، وكانوا يحرصون على اختتام اللحظة الحلمية الرائعة بتذكر تلك الإبتسامة التي ينشق لها فم صولاغ بعد أن يختم وعوده.

صاح ديك الحكاية العراقية، مؤذناً بالنهاية، ولكنها، هذه المرة، بخلاف النهايات التي درجت عليها الحكايات الخرافية، لم تكن سعيدة، ولم تخلف ثباتاً ولا نباتاً، ولا أسفرت عن صبيان ولا بنات. فالشمس أشرقت، سوداء مظلمة، على منظر الخراب العظيم، والأبطال المزيفون الذين اختطفوا الحكاية، والبلاد بأسرها، لم يكونوا من أصحاب الأيدي المتوضئة، كما وعدت المؤسسة الدينية، ولم يكونوا ذلك الحاكم الجعفري الذي حلم به الشعب ذات خريف، وإنما ثلة من الذئاب المتنكرين بزي الجدة الرحوم.

 إذن، استيقظ الشعب العراقي، متأخراً، (هل استيقظ؟)، ليجد نفسه أسير كابوس يفترش البلاد من شمالها إلى جنوبها، ومن شرقها حتى غربها، وألفى الآمال التي تسوقه المؤسسة الدينية، كل أربع سنوات، ليجدد العهد معها، ليست سوى سراب وبهلوانيات فارغة، أو “همبلات”، كما يحلو لابن الشعب أن يعبر. والأنكى والأمَر أن “صدام” الذي ظنوا أنهم فارقوه ظهر لهم من كل مكان، وفي ألف وجه ووجه، حاسراً مرة، ومعتَمَّاً أخرى، سنياً، وشيعاً، ولكنه كان، دائماً، صداماً نفسه! وعادت لهم، مرة أخرى، الهوية “الزطية”، فهم غوغاء، غرباء، لا حق لهم في التظاهر، ولا المطالبة بأية حقوق، ومن يرفع منهم صوتاً، فلا جواب له سوى الرصاص، والاحتقار، وعدم المبالاة.

الغريب إن الجنوبيين، بعد كل هذه السنوات العجاف، لم يفهموا أن حقوقهم لا تعني شيئاً أبداً في قاموس الذئاب المتنكرة، وأنهم ليسوا – بالنسبة لهؤلاء الذئاب – سوى قطيع كبير من الخراف فاقدة الوعي والإرادة!

وللأسف الشديد، هذه هي الحقيقة، فالجنوبيون لم يفهموا شروط، وافتراضات اللعبة التي دعتهم المؤسسة الدينية للدخول فيها، فكان لابد أن يقدموا أداء ضعيفاً لا يؤبه به.

شروط اللعبة كانت تقتضي أن يمتلكوا هم مصيرهم، ويقرروا بأنفسهم ما يريدون وما لا يريدون، وفي هذه الحالة فقط تكون لهم قيمة فعلية، ويكون لهم صوت على الحقيقة. لكنهم، للأسف الشديد، وضعوا بيضهم كله في سلة المؤسسة الدينية، ورهنوا لها إرادتهم ومصيرهم، وقلدوها صوتهم، وانحسروا تحت ظلها الثقيل بانتظار ما تقرره، أو ما يقرره المتنفذون، أو المتحكمون في قراراتها من رجال المافيات السياسية. أنتم، إذن، فرطتم بالقوة القانونية لورقتكم الانتخابية، ولم يعد أحد يهتم بما يرضيكم، أو يسخطكم، وإنما بما يرضي المؤسسة الدينية، وما يسخطها.

لكي يكون لتظاهراتكم معنى حقيقي عليكم أن تستعيدوا صوتكم.