النظام العالمي يعاني من عجز وانغلاق يضعف آلياته في قيادة الواقع فتبرز من الثغرات رجعية تعبر عن الهزيمة النفسية والاحتماء كما يحتمي الطفل الخائف من تسونامي بأمه، وما يجده الكتاب انه نزق وسوء إدارة في ترامب هو واقعا رد فعل طبيعي على الواقع الجديد، سبقه في ذلك بوتن ومازال الواقع العربي يمثل حالة الفشل بنفس الانكفاء نحو الاستبداد الذي يفرض شرعية التغلب، لكن الجديد هو اعتبار ترامب أن النظام الدولي يقيد الولايات المتحدة، وان الله اختاره ليجعل أمريكا أعظم، لا ادري لم يتذكر الكتاب غالبا في مثل هذا شخصية كشخصية نيرون عندما احرق روما ليجعلها افضل ثم قتل بولس وبطرس والمسيحيين بتهمة حرقها رغم انه كان يعزف ويغني أشعار هوميروس في حريق طروادة مصدقا المنافقين والمرعوبين انه مغني وعازف كل المسابقات، والانا في عقلية الإمبراطور لهوسه بالسلطة
هل ترامب يقود الولايات المتحدة إلى الدمار:
قرأت ترجمة عن مقال لـ ستيفن إم. والت أستاذ العلاقات الدولية في هارفارد وضع فيها ما قال إنها وصفة من خمس خطوات لتخريب السياسة الخارجية الأمريكية:
” الخطوة 1: عيّن مجموعة من الموالين والمنافقين: “وذكر فيها مواصفات قد تتوفر في النظم الاستبدادية في السلطات المتخلفة هنالك حيث يتكلم الرئيس فقط ويصفق الجميع ولا معترض بل ممجد له وهو يقود عربة البلاد إلى الهاوية، ليس المطلوب الكفؤ بالعكس المطلوب أناس يربطون مصيرهم بالرئيس وبلا مبادئ أو قيم وعندما تتخلص القوة المستبدة ممن يعارضها فسينطبق عليها قول الصحفي الشهير والتر ليبمان” عندما يفكر الجميع بالطريقة نفسها، لا يفكر أحد كثيرًا”“. وهذا يجعل من السهل لقائد مضلل أن يقود البلاد إلى الهاوية وسابقا نقص المعارضة الداخلية القوية هو ما سمح لستالين بتدمير الاقتصاد السوفييتي، ولماو بإطلاق “القفزة العظيمة للأمام”، ولهتلر بإعلان الحرب على أوروبا. كما سمح لجورج بوش بالتورط في العراق عام 2003
نلاحظ أن من فعل هذا أتى بنوع من الشرعية فماو أتى بالشرعية الثورية وهو مؤيد من شعبه ولم يجرؤ أحد أن يقف موقف المخالف باي شيء، أما هتلر وجورج بوش أتى بالشرعية الديمقراطية وانحرفا بتأييد كما يحصل مع ترامب، هم تجاهلوا الأصوات المخالفة كما يحصل الآن مع ترامب وحتى بايدن في مسألة كفلسطين، والان تتسع لمحاولة تحويل الاتفاقيات إلى نوع من الهيمنة مقابل الصداقة
الخطوة 2: افتعل أكبر عدد ممكن من النزاعات مع الدول: وهنا يشير الكاتب إلى حقيقة أن السياسة الدولية ليست فرض الإذعان وإنما تفاهمات وتماهي حتى لو كانت قوية فلا ينبغي أن تشكل مصدر خوف لحلفائها لان العلاقات تقوم من اجل الأمن والاستقرار.
اقتبس” أما ترامب، ففي أقل من ثلاثة أشهر، فقد أهان الحلفاء الأوروبيين، وهدد بالاستيلاء على أراضٍ من الدنمارك، ودخل في خلافات مع كولومبيا والمكسيك وكندا وغيرها. كما استخدم هو ونائبه جي. دي. فانس أساليب ترهيب علنية مع الرئيس الأوكراني زيلينسكي، محاولين إجباره على التنازل عن حقوق المعادن مقابل المساعدة الأمريكية. “انتهى،
الإدارة الأمريكية أجرت فك ارتباط والمنظمات الدولية كالوكالة الأمريكية للتنمية، ومنظمة الصحة العالمية، والواضح أن عدم اهتمام ترامب بالدول الفقيرة يقوض حاجة في كينونة النظام الرأسمالي للاستقرار وليس حبا بالفقراء، وان منظومة الضرائب مع الأصدقاء تبدو ظاهرا مجحفة للولايات المتحدة لكن الحقيقة أنها تدر ربحا خياليا على الولايات المتحدة لان صناعتها بالتجزئة تعتمد على مصانع في هذه الدول قرب المادة الخام ورخص الأيدي العاملة وفرض الضرائب هو ضمنيا فرض الضرائب على الذات.
” الخطوة 3: تجاهل قوة القومية “محاولة ترامب التأكيد على عظمة بلده واحتقار الآخرين سيثير بعد الصدمة في تقوية الكراهية في الدول الأخرى وسيزيد التحدي من قادة تلك الدول لإرضاء شعوبهم، ولعلنا لاحظنا دول عدة تململت رغم أن شعبية رؤسائها في الحضيض لتتفاعل مع هذا الإخفاق.
الخطوة 4: انتهك الأعراف وتخلَّ عن الاتفاقات وتصرف بشكل غير متوقع وبغض النظر عن راي الكاتب وما طرحه فالحقيقة أن هنالك فعلا محددات والا لن تبق هنالك علاقات دولية وستعم الفوضى، ولابد من الالتزام بها وان ظن غير ذلك وربما هنالك إيجابية للتخلص من هيمنة طالت بلا فائدة
” الخطوة 5: قوّض أسس القوة الأمريكية “ركز الكاتب على مراكز الدراسات والبحوث مستشهدا بالصين وان تقليص الدراسات والبحوث ومراكزها هو تراجع في الصدارة التقنية، حتى الجامعات كهارفارد عوقبت لممارستها الديمقراطية واقتبس” وحتى العلوم الإنسانية والاجتماعية لم تسلم. مهاجمة هذه المجالات يعوق قدرتنا على فهم مشكلاتنا الاجتماعية واقتراح حلول لها. عندما يسكت السياسيون الأصوات المعارضة، تزداد السياسات الحمقاء ويصعب تصحيحها. لهذا السبب يستهدف الطغاة دائمًا الجامعات والمراكز المستقلة عند سعيهم لترسيخ سلطتهم. “
هل سيطول الانبهار أيتها الأمم النائمة
الحقيقة أن ما طرحه الكاتب وتبنيت شرحه بما اقتبست ووضحت أخرى هو نوع من الإحساس وليس استشرافا واضحا فهو في حالة يندب ضياع المجد كما يفعل أي مثقف في الدول العربية وهو يندب ما وصلت إليه الأمة، الحقيقة أن انحلال القيود لن يبقي الأمور ثابتة حتى تغير الولايات المتحدة مزاجها وتقرر إصلاح ما فات أو لا تجد خسائر فيما ظنت انه جنون وهو في الحقيقة إسقاط تجربة شخصية وإيمان بالفردانية والقوة وهو مذهب الولايات المتحدة أصلا، فالرجل مجسّد أصل الأفكار التي قامت عليها بلاده والت أتت به إلى الحكم، لكن السؤال أما آن الأوان أن يكون السادة سادة فعلا ويستمدون قوتهم من شعبهم ويستغلون اقتصادهم في إنشاء عملة تجارية وتعيد بلادنا مركز العالم الجديد بدل الأسي والفوضى وهذا الفاصل بين الكرسي والشعب والذي يستغله بكفاءة الآخر خصوصا بعد أن اصبح أقطاب الأمس الشيوعي والرأسمالي اكثر قربا من الفكر القيصري الإمبراطوري الذي يريد خيرات العالم له، عندها كل أعمالكم لن تكفي وقد ناقشنا ذلك في مقالات موسعة، إن التطبيع بعد الترامبية لم يعد ألا أضعافا وخسارة، الخسارة لمن يطبعون لأوهام لا يحققها الانتظار ويضعفون بسبب مكافحتهم لقيمهم وتراثهم ونخبتهم بما يسر الأعداء، لكنَّ الخيار اليوم وفرصته مفتوحة بين حلم العبد أن يشتري بدراهمه سيدا يعامله بلطف كما نفعل عمليا، أو يكون حرا سيدا عزيز قومه كما يجب أن تكونوا.