الهوية بجوهر تعريفها هي الذات البشرية بما تحويه وتمتلكه وتتصف به وتعبّر عنه في السلوك والمواقف، والتفاعل اليومي في المحيط الذي هي فيه. والهوية من وجهة نظر نفسية وسلوكية هي “الأنا” الفردية والجمعية والكلية.
وهي قائمة في الإنسان ومتواصلة مع العائلة والمدرسة والمجتمع الوطني والقومي والعقائدي والإنساني، وقد تأخذ آفاقا وإمتداداتا كونية متسعة وفقا لقدرات وعيها ومعرفتها.
والهوية بهذا المعنى السلوكي، هي ثقافة ووعي متنامي لا يمكنه أن يتأسن أو يتخندق في حفرة أو يستكين في صندوق.
وتعني أيضا العقل والعاطفة والشعور، لأن آليات التفكير ومهاراته ترسم ملامح الأنا، ومن ثم تقدم الهوية بصورتها التي أكتسبتها من التواصل الحي بين قدرات العقل المتفاعلة مع الذات والمحيط.
فالهوية قوة متطورة معاصرة متجددة، تؤسس لصيرورة الكيان البشري وتحدد معالم الإنتماءات بين البشرية جمعاء.
والهوية مثل بصمات الأصابع والتركيبات الجينية لأي إنسان، فلكل منا هويته الذاتية القادرة على التواصل مع الهويات الأخرى، بمشتركات بايولوجية وثقافية وعقائدية ونفسية وعقلية لبناء هوية شاملة أو وعاء للهوية الأكبر، وهذا الوعاء يتسع وقد يصل إلى حجمه الكوني وفقا لمسارات الوعي والإدراك والمعرفة الإنسانية.
فقد يقول أحدهم بأنه كذا، وينتمي إلى كذا وكذا، وأن عليه أن يحقق دوره وإرادته في كذا وكذا، وذلك حق إنساني، لكنه يجب أن يعي أن لكل إنسان آخر من حوله هوية، وأن إجتماع الهويات المتنوعة في مكان ما يستدعي العمل لصناعة الهوية المشتركة.
ففي البلاد العربية لا بد من وعي الهوية المشتركة الأساسية الضامة لجميع الهويات، وهي اللغة العربية التي ترتبط بها هوية العروبة، لأن اللغة ستفتح أبواب الدخول في الثقافة العربية والتاريخ والدين، والدين الأكثر دورا وتأثيرا في المسيرة هو الإسلام، وهذا يعني أن لابد من التفاعل مع القرآن بوعي وإدراك.
فلا يمكن الجزم بسلامة الهوية العربية من غير اللغة العربية والفهم الواعي للقرآن، لأن في ذلك قوة جامعة.
أما إذا تحقق الجهل باللغة وبالقرآن فأن المجتمع سيفقد هويته الجوهرية، وستتعدد فيه الهويات، ذلك أن الإنسان لا يمكنه أن يكون ويبقى ويتواصل من دون هوية وملامح مميزة تشير إليه. وهذا يفسر تعدد التكتلات والميل إلى الفئوية في المجتمع العربي بسبب ضعف اللغة العربية وسيادة الأمية القرآنية التي يشجع عليها ما يسمون أنفسهم برجال دين وما هم إلا تجار دين.