22 ديسمبر، 2024 6:49 م

هل بدأت بوادر الحرب العالمية الثالثة؟!

هل بدأت بوادر الحرب العالمية الثالثة؟!

واشنطن وموسكو.. عداء غير مسبوق لتبادل تهم القتل
بعد اضمحلال الاتحاد السوفيتي وانتهاء الحرب الباردة,جرى في شباط 1992 أول لقاء بين يوريس يلتسين رئيس روسيا الاتحادية وجورج بوش الآب رئيس الولايات المتحدة الامريكية في كامب ديفيد حيث أعلِن رسميا انتهاء الحرب الباردة , وتم توقيع البيان الذي ثبت صيغة جديدة للعلاقات الروسية الامريكية,, وشهدت موسكو في حزيران عام 2000 , اول لقاء بين رئيس روسيا الاتحادية بوتين ورئيس الولايات المتحدة بيل كلينتون , ووقع زعيما الدولتين في اثناء المباحثات بعض الوثائق بينها البيان المشترك حول مبادئ الاستقرار الاستراتيجي والمذكرة حول الاتفاق الروسى الامريكي على انشاء المركز المشترك الخاص بتبادل المعلومات الواردة من منظومات الانذار المبكر والابلاغ عن اطلاق الصواريخ , ثم توالت اللقاءات حتى نيسان 2009 عقد لقاء بين الرئيس الامريكي باراك اوباما والرئيس الروسي ديمتري مدفيدف الذي رسم نهجا نحو اعادة اطلاق العلاقات الروسية الامريكية
لم تشهد العلاقة بين واشنطن وموسكو من قبل مستوى من المجاهرة بالعداء كما يحدث بالمرحلة الحالية، حتى أن الأمر وصل برئيسي البلدين لتبادل تهم القتل، والتوعد باتخاذ إجراءات لم تشهدها العلاقة بين واشنطن وموسكو من قبل,,,فاأصدر الرئيس الأميركي بايدن أمرا تنفيذيا يحظر المعاملات بين المؤسسات المالية الأميركية ونظيرتها الروسية، لا سيما في سوق السندات المقومة بالروبل، كما يحظر على المؤسسات الأميركية إقراض نظيرتها الروسية, وقال الرئيس الأميركي جو بايدن إن بلاده قررت طرد الدبلوماسيين الروس ردا على ما قاموا به من أعمال ضد الولايات المتحدة، مشددا على أنه لا يزال هناك متسع للتعاون بين البلدين , وأضاف بايدن -في خطاب له – أنه أخبر نظيره الروسي فلاديمير بوتين أن بإمكان واشنطن الذهاب إلى ما هو أبعد من العقوبات، “لكنني آثرت ألا أفعل ذلك، واخترت التصرف بشكل متناسب – وقال الرئيس الأميركي إن هناك مصلحة لنا في التعاون مع روسيا، لكن إذا أرادت موسكو التأثير علينا فسنرد عليها، وأكد أنه إذا استمرت روسيا في الاعتداء على “ديمقراطيتنا فنحن مستعدون لتصعيد خطواتنا وفرضت أميركا حزمة واسعة من العقوبات على روسيا ردا على تدخلها المزعوم في الانتخابات الرئاسية الأميركية، وعلى دورها في هجوم إلكتروني واسع طال أميركا نهاية العام الماضي، وعلى دورها في أزمة أوكرانيا.
ونددت موسكو بهذه العقوبات، وتوعدت بالرد عليها بالمثل، وقالت إن ردها لن يتأخر, في حين عبر حلف شمال الأطلسي (ناتو) والاتحاد الأوروبي وبريطانيا عن دعم القرار الأميركي,, فالعقوبات الأميركية الجديدة جاءت بعد مراجعة شاملة للعلاقات مع روسيا، وأعلنت بموجبها إدارة الرئيس جو بايدن عن حزمة واسعة تستهدف أساسا القطاع المصرفي الروسي؛ إذ أصدر بايدن أمرا تنفيذيا يحظر المعاملات بين المؤسسات المالية في أميركا مع نظيرتها الروسية، لا سيما الاشتراك في السوق الرئيسي للسندات المقومة بالعملة الروسية الروبل، ابتداء من الرابع من يونيو/حزيران المقبل- كما حظرت واشنطن بموجب العقوبات الجديدة على المؤسسات الأميركية إقراض نظيرتها الروسية، سواء بالعملتين الروسية أو الأميركية، وهو ما ستكون له أضرار كبيرة على الاقتصاد الروسي المتضرر أصلا من انخفاض أسعار النفط في السنوات الأخيرة، فضلا عن تداعيات جائحة فيروس كورونا- كما قررت الإدارة الأميركية ضمن حزمة العقوبات الجديد طرد 10 من الدبلوماسيين الروس، ومن بينهم ضباط استخبارات كما فرضت الإدارة الأميركية عقوبات على 32 كيانا وشخصية من روسيا على خلفية التدخل في الانتخابات الأميركية الأخيرة، وقالت وزارة الخزانة الأميركية إن المدرجين في اللائحة السوداء نفذوا محاولات مرتبطة بالحكومة الروسية مباشرة للتدخل في انتخابات الرئاسة الأميركية في 2020 وغيرها من “أفعال التدخل ونشر المعلومات المضللة,وقال البيت الأبيض إن هذه العقوبات تأتي ردا على التدخل الروسي في الانتخابات والأنشطة الخبيثة عبر الإنترنت، وقتل مواطنين أميركيين , والعقوبات الجديدة -في جانب منها رد على عملية تسلل إلكتروني كبير استهدفت عام 2020 البرامج التي تصنعها شركة سولار ويندوزالامريكية , ومسّ الهجوم الإلكتروني عددا من المؤسسات الحساسة في أميركا،
وفي المقابلة نفسها، قال الرئيس الأميركي إن بوتين “سيدفع ثمن” التدخل بالانتخابات الأميركية عامي 2016 و2020، وهي اتهامات نفتها موسكو على الدوام, وحذر وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، من “عواقب” وقوع “عدوان” روسي على أوكرانيا، بينما تعمل تركيا على إيجاد حلّ سلمي للخلاف بين البلدين خاصة بعد تزايد التوتر في إقليم دونباس وحشد روسيا قوات على الحدود, وأعرب بلينكن عن قلق بلاده من تحركات روسيا في هذا الإقليم وشبه جزيرة القرم وتجمع حشودها العسكرية على حدود أوكرانيا، التي قال إنها الأكبر منذ 2014
وتوترت العلاقة بين القيادتين الأميركية والروسية الشهر الماضي، حين وجه بايدن انتقادات شديدة لبوتين، ورد إيجابا على صحفي سأله خلال مقابلة تلفزيونية إن كان يرى أن الرئيس الروسي “قاتل”، فقال “نعم، أعتقد ذلك ,, وقالت صحيفة نيويورك تايمزالامريكي إن الأزمات المتزامنة التي تشهدها بيلاروسيا وآسيا الوسطى ومنطقة القوقاز أذهلت الكرملين، مما جعله يندفع لإنقاذ المصالح الروسية في جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابقة، كما قوضت صورة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بوصفه قائدا بارعا على المسرح العالمي,, واضافت أن الرئيس الروسي أنفق سنوات عديدة في بناء روسيا كقوة عالمية، وكانت له يد في البؤر الساخنة من أميركا اللاتينية إلى الشرق الأوسط، حتى إنه تدخل في الانتخابات الرئاسية الأميركية، ولكنه بعد سنوات من العمل من أجل زعزعة استقرار الغرب، وجد نفسه فجأة محاطًا بعدم الاستقرار
رغم القوة الاستراتيجية والتسليحية والبشرية التي يمتلكها البلدين , الا انهما لن يلجأ احدهما او كلاهما للحل العسكري , فهما يمتلكان قوى تصنيعية واقتصادية هائلة , فاذا كانت واشنطن تتحكم بالدولار والسوق العالمي , فان روسيا لها القدرة والامكانية لقلب موازين السوق العالمية للذهب من خلال مضاعفة سعره وتحطيم الدولار بهذه الآلية،وربما لا نبالغ اذا قلنا ان روسيا تستطيع أن تدمر الولايات المتحدة الأمريكية بدون قنبلة ذرية، فقط باستخدام آليات اقتصادية، كل ما يوقفها عن ذلك هو أن انهيار الدولار سوف يسبب ضررا شديدا لها إلى جانب سائر دول العالم، لكن في حالة عزلها عن الغرب، فإن آلية كهذه من الممكن أن تصبح مقبولة , هناك أيضا نظرة بعيدة المدى، فالفوضى الحالية والصراعات القائمة في العالم هي نتاج لسقوط الغرب على المستوى العسكري، وقبله على المستوى الاقتصادي، أي أننا نعيش اليوم على تخوم تحولات حادة, كذلك تخلي موسكو وبكين ونيودلهي عن العملة الأمريكية، ووصلت حصة الدولار في العمليات التجارية بين روسيا والصين والهند إلى الحد الأدنى, وهو جزءا من استراتيجية البلدين تهدف “لتقليص” اعتماد الاقتصاد الروسي على الدولار، وجعله أكثر مرونة في مواجهة التهديد بفرض عقوبات أمريكية جديدة
الإدارات الأمريكيّة لعبت دائمًا على حبل الخلافات الصينيّة الروسيّة، خاصّةً أثناء الحرب الباردة، ونجحت في استقطاب الصين وتوظيفها ضِد الاتّحاد السوفييتي، ولكن الصّورة تغيّرت الآن رأسًا على عقب، وتوحّد البلدان في مُواجهة الهيمنة الأمريكيّة، وسنرى نتائج هذه الوحدة في المُستقبل القريب.كما ان انتهاء هيمنة الدولار يعني انتهاء الهيمنة الأمريكيّة، الأمر الذي يخدِم جميع الدول المُتضرُرة من العُقوبات وسياسات الابتزاز الأمريكيّة في العالم الثالث، وخاصّةً في مِنطقتنا الشرق أوسطيّة،
ونتيجة لما تم ذكره ,ادركت واشنطن انه من مصالحها الاستراتيجية والاقتصادية ان تعيد النظر, من هنا دعا بايدن نظيره الروسي لعقد لقاء هذا الصيف في أوروبا، مشيرا إلى أن القمة المرتقبة ستضع العلاقات مع روسيا ضمن أطر إستراتيجية, وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض جين ساكي أن واشنطن تعتقد أن عقد القمة سيكون خطوة جيدة للأمام صوب “تنمية علاقة مستقرة ومتزنة” بين البلدين,, لا نريد عودة الحرب الباردة الجديدة ولا المواجهة الصريحة، والتي تظهر في مزيد من التصعيد والتراشق , بل نتمنى وضع اسس للتعاون بين روسيا وأمريكا في التعامل مع قضايا المنطقة بما يؤدي لنتائج أفضل في العلاقات، بحيث يتفق البلدان في بعض ملفات المنطقة، فيما يتعيّن على الدولتين الاعتراف بحقوق شعوب المنطقة في تحديد مصائرها، وألا تكون تسوية الخلافات الروسية- الأمريكية على حساب حقوق دول الشرق الأوسط.