18 نوفمبر، 2024 12:37 ص
Search
Close this search box.

هل انحسرت شعبية الحزب الشيوعي العراقي في الشارع فعلا؟

هل انحسرت شعبية الحزب الشيوعي العراقي في الشارع فعلا؟

جاءت نتائج الانتخابات الاخيرة مخيبة لآمال الاوساط الواعية من الشعب العراقي، التي التفت حول قائمة التحالف المدني الديمقراطي، حيث ظهرت النتائج عكس التوقعات، اذ  لم يحصل الحزب الشيوعي العراقي ولو على مقعد واحد، بعد اكثر من عقد من الزمن على ممارسته للعمل السياسي العلني، كذلك كانت المقاعد القليلة التي حصلت عليها قائمة التحالف المدني الديمقراطي واقتصرت على بغداد فقط، فأحدثت تلك النتائج صدمة لدى محبي وانصار القائمة. لقد أثارت تلك النتائج ردود افعال وتساؤلات عديدة، لدي المحللين السياسيين واحباط لدى العديد من الاوساط الشعبية التي كانت تتطلع الى هذا التحالف كبذرة نظيفة من أية شائبة لتكون صوتها الداوي والمعبر عن آمالها وامانيها  في البرلمان، بعد ان يأست من الاداء السيء لمعظم البرلمانيين السابقين، ومن مختلف الكتل السياسية بدون استثناء، وقد كان الامل معقودا على ان تكون هذه القائمة العابرة للطائفية والاثنية والمناطقية والعشائرية، نواة لتشكيل تكتل برلماني يمثل تطلعات الشعب العراقي بصورة حقيقية، لانقاذ العراق من المحن والاخطار المحدقة به نتيجة السياسات الخاطئة والمتخبطة للقابضين على زمام السلطة منذ عقد من الزمن، قادوا البلاد الى  ما نحن عليه من مآسي وتخلف وتناحر وفقدان الاستقلالية الحقيقية في تشكيل الحكومات بأرادة خارجية بعد كل انتخابات تجري في البلاد.
لقد استغلت بعض الاقلام عن قصد او ربما عن حرص عاطفي، تلك النتيجة للقول بأن الحزب الشيوعي العراقي، الذي كان المحرك الحقيقي لقائمة التحالف المدني الديمقراطي والمبادر الاول الى تشكيله وهو غير خاف على أحد، بأن قاعدته الجماهيرية  قد انحسرت وشعبيته قد تدنت ودليلهم على ذلك عدم حصول الحزب على اي مقعد في البرلمان.
بالرغم من كوني لست عاملا  في صفوف الحزب حاليا لظروف شخصية، ومن اصدقاء الحزب كديمقراطي مستقل، واتابع عمل الحزب وسياساته طيلة الاعوام التي سبقت سقوط الدكتاتورية او بعدها، ولكوني تربيت في احضان هذا الحزب المناضل الذي قدم من التضحيات منذ تأسيسه قبل ثمانون عاما من أجل الشعب والوطن، ما لم يقدمه أي فصيل سياسي ولا يمكن نكران هذا الامرمن اية جهة سياسية، حتى من الذين يختلفون مع الحزب ايديولوجيا، فهذا الامر لاجدال فيه مطلقا. أقول بأنني أختلف مع هؤلاء السادة لاسباب عديدة، سأوردها كما يلي: عسى ان ينال اهتماما من ذوي الشأن.
ان خسارة الحزب الشيوعي بصورة خاصة وقائمة التحالف بصورة عامة لها اسباب موضوعية واخرى ذاتية (فنية) وتتلخص بما يلي:
1-  ان دليلي على عدم تراجع شعبية الحزب بل بالعكس زادت شعبيته، هو انتخابات مجالس المحافظات التي جرت العام الماضي، عندما حصدت فيها قائمة التحالف 11 مقعدا في سائر انحاء العراق وكانت اكثر من نصف المقاعد من نصيب الشيوعيين، جرى ذلك بعد تطبيق نظام سانت ليغو حيث كانت مجموع الاصوات التي حازتها قائمة التحالف المدني الديمقراطي في تلك الانتخابات، هي 153000 الف صوت في عموم البلاد، بينما حصلت قوائم التحالف في هذه الانتخابات على اكثر من 250000 الف صوت، ففي بغداد مثلا حصلت قائمة التحالف في انتخابات مجالس المحافظات التي جرت في العام الماضي على 23000 الف صوت بينما حصلت القائمة في الانتخابات النيابية الحالية على 112000 صوتا اي بخمسة اضعاف الاصوات نسبة الى اصوات تلك الانتخابات، وهكذا في عموم العراق حيث تضاعف عدد المصوتين للقائمة، وكل المصوتين يعلمون علم اليقين بأن الحزب الشيوعي العراقي هو أحد الاعمدة الاساسية للقائمة، فأين هو تدني شعبية الحزب كما يزعم البعض؟  لقد خسرت قائمة السلطة عددا كبيرا من مقاعدها في تلك الانتخابات، مما دعاها الى الضغط على القضاء والمفوضية لاجراء تعديل على ذلك النظام خوفا منها على الخسارة في الانتخابات البرلمانية التي جرت قبل ايام، وبالفعل رضخت تلك الجهات لمطلبها غير القانوني وقامت بواسطة البرلمان الذي تسيطر عليه مع بقية القوى المتنفذة، بتعديل القانون ليصب لصالح قائمة السلطة والقوائم المتنفذة الاخرى، كان على قائمة التحالف ان لا تسكت عن هذه المخالفة واللاتفاف على قانون سانت ليغو وتطعن به امام القضاء وتشن حملة شعبية ضد ذلك التعديل، حيث افرغ التعديل النظام من جوهره، ليصبح قانون سانت ليغو المعدل، ان هذه الصفة لا تنطبق على هذا القانون، بل الصحيح القول بأنه قانون سانت قائمة السلطة وهذا مما ادى الى ضياع عشرات الالاف من الاصوات، فكيف تحصل قائمة التحالف في بغداد على 112000 صوتا وتنال ثلاثة مقاعد فقط بينما نالت قائمة اخرى نصف هذه الاصوات وحصلت على مقعدين؟ فالخلل في القانون الذي جرى الالتفاف عليه لصالح قائمة السلطة.
2-  اما الجوانب الفنية والتنظيمية فتخص القيادة المشرفة من الحزب على قيادة الحملة الانتخابية الخاصة بمرشحي الحزب. لا ادري ما الحكمة ان يزج الحزب الشيوعي بـ 18 مرشحا عنه في القائمة في بغداد كذلك في البصرة والمدن الاخرى، وهو يخوض الانتخابات بقائمة تحالفية وليس لوحده كما كان في السايق، تضم عدد من الاحزاب والشخصيات منهم من له شعبية ونفوذ في الشارع؟ كان الاولى بالحزب ان يقدم في هذه الحالة شخصية واحدة ويوجه جماهيره الحزبية والصديقة للتصويت لهذا المرشح بدلا من تشتيت الاصوات عل 18 مرشحا، وبذلك خسر الحزب مقعدا. لقد كنا نأمل ان يكون احد الفائزين المناضل الشجاع والمدافع الجريء عن قضايا الشعب، جاسم الحلفي. يجب ان تدرس هذه المسألة في الانتخابات المحلية والبرلمانية المقبلة بعناية.
3-  كان على الحزب ان يشكل لجنة عليا خاصة به، تضم من كل محافظة عضو له خبرة وتجارب ويعيش في محافظته  للتحضير للانتخابات، وتقدم هذه اللجنة تقريرا الى قيادة الحزب عن مدى نفوذ الحزب وعدد الاصوات التي يمكن ان يحصل عليها ولوبشكل تقريبي في كل محافظة، بعد اجراء استبيان دقيق من قبل لجان محلية ترتبط بالمسؤول على الحملة، على ضوء ذلك، يختار الحزب احد اعضائه المتميزين والمعروفين اجتماعيا وثقافيا في محافظته دون ان يرشح آخرين معه، ذلك تمهيدا لخوض الانتخابات  لتفادي تشتيت الاصوات، وكان يجب اتخاذ هذا الاجراء قبل الانتخابات بأشهر.
4-  ان قبول انضمام الحزب الاسلامي الى قائمة البديل المدني في البصرة لم يكن قرارا صائبا برأي حيث ان الحزب المذكور ليس حزبا مدنيا ولا ديمقراطيا وانما هو حزب طائفي كسائر الاحزاب الطائفية الاخرى، انما انضم الى البديل كتكيك سياسي نجح فيه حيث حقق مبتغاه بحصوله على مقعد غير مستحق له ونجح بركوبه عربة أئتلاف البديل، حيث ان عدد الاصوات التي حصل عليه المرشح الفائز كانت 13000  ألف صوت من مجموع 41000 ألف صوت وذهبت الـ 28000 الف صوت الاخرى سدا، وتشتت بين مرشحي الحزب الشيوعي والمرشحين المدنيين والديمقراطيين الاخرين، وقد انضم الفائز بالمقعد الى كتلة متحدون وانسلخ من قائمة ائئتلاف البديل بعد فوزه، وهذا درس آخر للمستقبل، اذ لا يجب قبول أي حزب او شخصية الى التحالف المدني الديمقراطي مستقبلا ما لم يكن مدنيا وديمقراطيا قولا وفعلا.
5-  انني من أشد المدافعين عن حقوق المرأة، وعندما اطرح وجهة نظري هذه، ليس الغرض منها الانتقاص من حقوقها بل يجب مساواتها بالحقوق على كافة الاصعدة. اعتقد ان تخصيص كوتة للمرأة في الدورات الانتخابية السابقة كان ضروريا، لكن الاستمرار على تخصيص هذه الكوتة هو برأي المتواضع انتقاص من قابلياتها القيادية، فعليه يجب الغاء هذه الكوتة مستقبلا، بعد أن حصلت 22 امرأة على اصوات من خارج الكوتة في هذه الدورة الانتخابية، وليفسح المجال امام المرأة البرلمانية لتثبت انها أهل لثقة ناخبيها وتقوم بدورها الريادي في المضمار البرلماني، اما الاستمرار على الكوتة ففيه انتقاص لمواهب المأة اولا وغبن لكثير من المرشحين الذين نالوا الاف الاصوات ولم يحصلوا على مقعد نيابي بسبب الكوتة النسائية، بينما فازت اكثر من 60 مرشحة بمقاعد ليس من استحقاقهن حيث لم تنل معظمهن سوى على بضعة مئات من الاصوات وسوف يكون دورهن ذيليلا لقادة القائمة حيث انهن لم يفزن بثقة الناخبين وانما بسبب اصوات قادة القائمة وسوف لا يكون لهن دور فعال في البرلمان، ولا يمثلن المرأة بصورة حقيقية، وجاء فوزهن بعد مصادرة عشرات الالاف من اصوات الناخبين الذين صوتوا لمرشحين من الرجال والقائها في سلة المهملات، فهل هذا من الانصاف بشيء وهل هو تمثيل برلماني حقيقي للمرأة؟

أحدث المقالات