23 ديسمبر، 2024 6:01 ص

هل انتهى الرد.. لماذا كذب ترامب؟

هل انتهى الرد.. لماذا كذب ترامب؟

الرد الإيراني على اغتيال الجنرال قاسم سليماني بهجمات صاروخية استهدفت قواعد امريكية في غرب وشمال العراق، اصبح منذ فجر الأربعاء الماضي، الحدث الأول الذي يتداوله الجميع في وسائل الاعلام والمنازل والمقاهي وحتى في الطرقات لاسباب عدة، لعل في مقدمتها، ان “عباد الله” في الشرق الأوسط دخلوا مرحلة انتظار تحرك البوارج والطائرات والصواريخ الامريكية نحو المدن الإيرانية لاستهدافها بعد التصريحات التي نقلتها المصادر الإيرانية الرسمية وغير الرسمية عن عدد الصواريخ البالستية، وقوتها ودقتها في اصابتها للأهداف، التي استمرت لآكثر من ساعتين على شكل موجتين، لكن ماذا حصل؟.

المتابع لتصريحات القيادة الإيرانية يدرك جيدًا أن الرد بتلك الصواريخ التي أظهرت بقاياها وسقوط بعضها بعيدا عن القواعد المستهدفة، كانت استعراضية وليست كما وصفتها المصادر الايرانية، لكونها بداية لهدف اكبر من استهداف بعض الجنود داخل قواعد مشتركة قد تكون واشنطن أخلتهم مبكرا، بعد عملية (البرق الأزرق) التي أنهت “مسيرة” الجنرال سليماني، كجزء من الاستعداد للرد الانتقامي المتوقع، فحديث المرشد الأعلى خلال كلمته التي وجهها بعد انجاز مهمة إشرافه على إطلاق الصواريخ من غرفة العمليات، اكد فيها ان “الشعب الايراني وجه صفعة قوية للأمريكيين”، ليبلغنا بان “الخطوة التي قامت بها ايران غير كافية وما يجب ان يترجم على الأرض هو انهاء الوجود الأمريكي في المنطقة”، وهذه الأخيرة كافية لفهم الرسالة التي بعثت بها طهران بضربتها “العسكرية السياسية” والتي تعمدت بشكل واضح تنفيذها على الرغم من علمها بان القواعد قد تكون أخليت، لكنها فتحت المجال لجميع أذرع طهران في المنطقة لإكمال الخطوة التالية التي أشار اليها المرشد في عبارة “إنهاء الوجود الاميركي”.

لتكون بعدها تصريحات وزير الخارجية محمد جواد ظريف، اكثر وضوحا حينما أخبرنا بان “طهران أبلغت الحكومة والقوات الامنية العراقية بالهجوم قبل تنفيذه”، لان ايران تعلم حجم التأثير الأمريكي على القيادة العراقية في هكذا مواقف، ادركت جيدا بان عبد المهدي سيوصل الرسالة بأمانة كبيرة للبيت الأبيض، حتى تستعد واشنطن لاستقبال الضربات الصاروخية، التي لا نعلم حجم الخسائر التي خلفتها على الأقل بالمعدات العسكرية او عدد الجنود المتبقيين في قاعدتي عين الأسد وحرير في محافظة اربيل، وحتى لو افترضنا “جدلًا” بان العملية انتهت من دون خسائر بشرية، لكن استهداف القاعدتين بحد ذاته “مغامرة” كبيرة اقدمت عليها ايران واثبتت انها تمتلك القدرة على تهديد المصالح الأمريكية في جميع دول المنطقة، وهذه الحقيقة التي أراد ترامب إخفاءها خلال مؤتمره الصحفي الذي استمر الاستعداد له لأكثر من 17 ساعة.

لماذا كذب ترامب.. الرئيس الأمريكي الذي ظهر وعلامات عدم الثقة بالنفس مرسومة على ملامحه، وسط مجموعة من مساعديه ووزراء حكومته، ادرك جيدا، ان الرد على الهجوم “العسكري الدبلوماسي” الذي شنته ايران بعدد من الصواريخ، من خلال منظومته العسكرية التي استعرضها في تغريدته الأولى بعد نحو ساعتين على انتهاء الهجوم، سيقابله رد إيراني بقتلى وجرحى وخسائر بالمعدات، وهذا بطبيعة الحال لا يخدم ترامب المقبل على حملة انتخابية يسعى من خلالها الحصول على ولاية ثانية، لذلك “انكر الخسائر” باستخدم “حيلة الكذب” التي لجأ اليها في العديد من المرات، منها تعهده بالانتقام ضد أي هجوم تنفذه إيران يستهدف مصالح بلاده وحلفائها في الشرق الأوسط والعالم، وعندما استهدفت أرامكو في السعودية تحجج بأنه يبيع أسلحة للمملكة الخليجية ولن يستخدمها لحمايتها، وبعد اسقاط ايران طائرة “غلوبال هوك” المسيرة فوق مضيق هرمز في العشرين من شهر حزيران الماضي، أعلن ترامب في 19 تموز الماضي، عن إسقاط طائرة مسيرة إيرانية وتعهد ببث شريط مصور يؤكد اسقاطها، لكنه حتى الان لم نشاهد الشريط او نسمع عنه، لتكون تلك التعهدات ضمن مجموعة تضم ثماني اكاذيب مشهورة للرئيس ترامب رصدتها وسائل اعلام والمراقبون لخطابات “مجنون البيت الأبيض”.

الخلاصة.. ان خطاب ترامب الذي كانت بدايته تهديدات بفرض عقوبات جديدة على طهران حتى وصل إلى عرض التعاون في مكافحة الإرهاب ومد يد السلام لإيران، لن يلغي الهدف الذي حدده المرشد الايراني، وسنشهد خلال الأيام المقبلة هجمات متعددة تستهدف القواعد الأمريكية ومصالح ترامب، وقد تمتد لدول الخليج او حتى اسرائيل، لكنها ليست من داخل الأراضي الإيرانية او بإعلان رسمي من قيادتها، فهناك ذراع باليمن وسوريا وفلسطين ولبنان، وفصائل الداخل العراقي التي أعلنت استنفارها، وبمقدمتها حركة عصائب أهل الحق التي هددت بان الرد العراقي على اغتيال ابو مهدي المهندس سيكون خلال الأيام المقبلة، وقد يكون بعد تلقيها الضوء الأخضر، وحينها سيعلن عن حجم أضرار الصواريخ الإيرانية في قواعد ترامب، وخسائر بعض دول الخليج بسبب تحالفها مع واشنطن، اخيرا.. السؤال الذي لا بد منه… هل كان الرد الايراني وتجاهل ترامب مسرحية؟..