23 ديسمبر، 2024 10:49 ص

قد يبدو السؤال للوهلة الاولى, غريباً بعض الشيء, فالانسان بطبعه يرفض الذل جملة وتفصيلاً, ولكن قد يكون هذا الذل يأتي غصب ولايستطيع الانسان دحضه, كأن يكون من السلطة او العمل الذي يعمل به, او البلد, الذي يعيش فيه فـتحكمه ظروفه ويكون غريب وذليل به, وخصوصاً, اذا كان المرء بالعراق فالحقب التي مرت بالعراق سوداء وفي ظل انظمة حاكمة مستبدة ليس لها الا ان تذيق الانسان الذل والهوان .
وقد رأى العراقيون كل انواع الذل والمرار, منذ الحكومة العراقية الحديثة الى حكم صدام الى الاحتلال الامريكي للعراق، فما زالت احدى مواقف الذل الذي رأيته من قبل الامريكان, لاتفارق ذاكرتي العراقية الغائرة . أي والله, لا اكاد انسى ذلك المصري المجند مع الامريكان, حينما سألني, «انتَ مكرم يلا» لا استطيع نسيان دخول الامريكان لبيتي في ليلة ظلماء باسلحتهم المدججة وملابسهم الباعثة على كل ماهو مخيف وترهيبهم اهلي المساكين لا لسبب ابداً الا اننا نعيش في العراق!. هذا الموقف الاول الذي شعرت من خلاله بالذل والغربة في وطني المجروح الذي لم تبق مصيبة الا وقعت عليه وعلى ابنائه المساكين, كنت لا استسيغ كلمة تقولها صديقتي المغتربة مفادها : انني في وطني غريبة . وبعد مرور الايام تأكدت ان هذا الكلام صحيح, فحينما يشعر الانسان بعدم الاحترام في وطنه ولايستطيع التعبير عن رأيه ورفضه للظلم وماشاكله فهذا لعمري غريب..ثمة مواقف لا نستطيع ان ننساها وعند ذكرها نتخيل كم نحن مغلوب على امرنا ولم نستطع ان نعيش حياة حرة كريمة ولو لفترة قليلة نعبر بها عن ارائنا كيف نشاء ولا اعتقد اننا سنعيش تلك المرحلة من العمر . اتذكر في يوم من الايام وبحكم عملي «عسكري» حينما اراد احد العرفاء ان يعاقب جندي من الجنود , ويقول له «دحرج» اي يقصد ان يمرغله بالتراب فقلت له : هذا ظلم ياعريف فرد علي بصوت عال مخيف : اسكت قشمر لا تتدخل . حينها جلست وندبت حظي الاسود الذي جعلني في هكذا مكان .. فهل ياترى لم نمر بالذل ؟. ام ان هذا قدرنا, نعيش تحت رحمة انظمة مستبدة لم تترك لنا ان نعيش الحياة السعيدة التي نشعر بكرامتنا, بها وهمنا كيف نرتقي بانفسنا فيها, وبالاخص نحن ابناء الطبقة الفقيرة التي استخدمت السلطات كل طاقتها الظالمة ضدنا وجعلتنا دائما نحني رؤوسنا ولانستطيع الوقوف حتى امام الملمات التي تمر بنا بسببهم, حتى صار احدنا كلما مرت به ملمة اقوى منه لايوجد لديه اي حل غير كلمةً واحدة « خرب حظي « تلك الكلمة التي لها ذكريات معنا ومع المجتمع الذي يدور حولنا حيث تجد هذه الكلمة مخدرة دائماً, فعندما يقع الانسان منا في مصيبة من المصائب ويقال له لماذا لاتعمل على نقضها يقول « ماعندي حظ»..اي والله كأن الحظ فارق مجتمعنا المغلوب عليه, الحظ الذي اخذ كل شي معه وذهب . لم يترك لنا ان نفرح ولو لايام معدودات . وعلاوة على ذلك كرامتنا المسلوبة التي تستخدمها كل القوى ضدنا حتى الجندي الذي يقف في الشارع, يؤذينا ويسلبنا كرامتنا ويوقفنا لساعات تحت حرارة الشمس المضنية فعندما يرى تقاسيم وجهك لاتعجبه تراه ينادي عليك « اطبكـَ خالي « شنو ماعاجبك الوضع .. لا خوية عاجبني شمس حلوة و ازدحام قليل, رحم الله والديك . هذا الكلام الذي رأيته من صاحب الكيا الذي اوقفه صاحب السيطرة الحكومية . بعد التعب والجهد الذي رآه, يتلون ويقول لصاحب السيطرة رحم الله والديك . خوفاً من الآتي الذي لايعرفه ربما سيكون الجنود عليه ولية ولايخلصه الا الله والراسخون في الجيش!..والان هل عرفتم اننا دائماً نعيش في ذل ؟ ودائما لايحسب لنا اي حساب الا ان نكون اصحاب مناصب وإلا نرى كل ماهو متعب ومضني وباعث على الاسى . سؤال يتوارد في ذهني, منذ سؤال المصري لي وهو هل يأتي يوم واشعر بكرامتي وانسانيتي في هذا البلد العظيم؟ فما زلت لا استطيع التكلم . اي والله . كلما اردت ان اتكلم صوت العريف يرن في اذني ويلصمني . اسكت قشمر.