23 ديسمبر، 2024 5:41 ص

حين يبتسم برعم للشمس و يزقزق عصفور فوق غصن تتفتح ثنايا نفسي المنكمشة وابحث في الطين عن سر بهجتي السائبة تحت اقدام السنوات ، فتلتقي اصابعي احيانا جذور طغيان لذكريات طفولية استعار الزمن براءتها لتكون اعمدة من احاسيس عذرية يتكأ عليها جيل متزن ، مرهف المشاعر، مهووس بحب الطبيعة البكر وهي تنثر بساطها الملون الذي يحلل مشهده عقد النفوس وخيوطها المتشابكة ، افيق من هذا الحلم الوردي و ارفع هامتي استوضح ما يداعب اذني فالمح عيون الشمس وهي تغمز بطرف جفنها لزهرة نرجس او ليلك او جوري متفتحة  هنا و هناك ، تغازل بعضها البعض وتتفاخر بمفردات الجمال واطياف الالوان المتراقصة حولها بفرح وغبطة بعبق اثير بهي مسحور… يبدو انها لا تكتفي باستنشاق هواء الصباح العليل فحسب  بل تنكب على احتساء ضوء الشمس بثمالة لكي تروي استمرارية الديمومة في عطشها النهم …. ويختم  طوق الجمال هذا في تلك اللوحة السرمدية صوت ابي وهو يتلو صوت الله  وقد انتصب كباسقة جنوبية  مشرئب العنق دون حراك الا شفتيه…
ويستمر السحر بالابتهال لخازن الطبيعة بآيات الحب وسور الجمال الرباني ، و نظري مثبت فيه عبر زجاج نافذتي من خلف اسيجة الانبهار، منتصبا وحلقات سلسلته المشتغلة بحرفنة ونشاط فوق سبابته الغليظة التي لا تهادن التوقف حتى في القاء تحية او استنشاق شهيق او التعرف على استراحة لا يدرك  ماهيتها حتى قاموسه المختوم بشمع العفوية ….صامت كحجر صوان ، صائم عن الكلام وكأن  لسانه قد شد في طرف سلسلته الطائرة ، و تنازل عن الكلام مجانا لحركتها الجسرة  تلك ، لا تنفك تلك السلسلة عن معانقة اصبعه حتى في النوم ، يقال ، من مقرب ،  يغفو وهي تعتلي سبابته بشموخ وكبرياء كمهد لاستمرارية الزمن ، قد تكون حبيبته المفترضة او عشقه الوردي الذي لا يفقه كنهه فيصب عليه جام غضبه الحسي والانساني المنقوص ، بغرائزية عشوائية ، دون ادراك ، ربما يرى فيها ما لا نراه نحن ، ما بتر من انسانيته المصادرة بفعل الطبيعة، ابويه ،مثلا، زوجة مسحت من كينونته وهو لا يعلم عن سر هذا التناصف السحري المبتور في اعماق ذاته المختزلة الا من عالم الغرائز والاحلام الجامحة ، يبدو ان تلك السلسلة تتقمص كل المفترضات و المفقودات من كياناته وعلائقه الانسانية واسباب بقائه البشري، وقد تكون تلك السلسلة تعويضا عن ما سلب قسرا من ممارساته الفيزيائية و السايكولوجية و السيسولوجية الغائبة عن الوعي نسبيا ، تكوين غريزي معروف بين مساكنيه بالتفرد والانعزال ، عفوي في صمته و تصرفه، عذري في تفكيره ،لا يحسن التمسلك في طرق الرياء المعوجة ، صفحة بيضاء نسى الدهر ان يكتب شروطه عليها ، حياته تجاوب مطلق للطبيعة فقط ، يحركه عقل رضيع لم يفطم بعد ، شهرته في سلسلته المثبتة فوق سبابته المحتدمة بشكل مستمر كمسبحة صوفية تجاوزت كل الصفات وتربعت فوق كل الاعتبارات . يتلوها امانته الكبيرة  والتي استغلت  من بعض التجار حين دأبوا بتكليفه ايداع مبالغ كبيرة من النقود في البنوك ، الامانة مفتاح لوجوده الانساني و مودوعيته تلتصق به التصاقا كعضو من جسده لا ينفك منها الا لصاحبها او مكانها المحدد ، ولا يرخي ساعده عنها  لو اجتمع الانس والجن او قطع عضو من جسده حتى يموت دونها …شرس لمن يثني عزمه بما اعطاه الله من بنية اسمنتية متحجرة  يخشاها اعتى اللصوص ويحسبوا كثيرا في الاقتراب منه….
طالما احترمت هذا الكيان كثيرا على الرغم من غرابته ، اتهيب  بالتحدث او الاقتراب منه، احيانا ، اظنه فيلسوفا و اعود عن هذا الظن سائلا نفسي عن منجزاته  الفلسفية…. أظنه مجنونا واصطدم بواقع احترامي و الناس له وثقتهم الكبيرة فيه….كثيرا ما تمنيت ان احمل عقله العفوي هذا لكي استأذن قليلا تلك الوساوس المحتدمة في تفكيري ، المحملة بالتساؤول والاستنباط والفضولية الفائضة عن المألوف ، يستوقفني شأن الله حين يقلب اوجه الموازين ويمنحنا نماذج عن جوانب المخلوقات المطروحة في حيز الديمومة  وصراع البقاء من مخلوقاته التي لا تحصى ، وكيف يعيش كل مكون بخصوصية مغلقة و هذا النموذج الملقى على هامش الانسانية تحيط به الغرابة من كل صوب وتخطو عنه بعيدا عوامل التحضر والانبهار كصندوق مغلق ، لا يدرك حتى هو محتوى اعماقه ، هو واحد من تلك الاسرار الربانية ، مع ذلك  يبدو اسعد منا جميعا….
 ، ايقظني صوت المصير وهو يتلو اسمه الذي غاب عن مسامعي طويلا … ايقنت واثقا ان سبابته قد ارخيت و سلسلته  قد هزمت وتوقفت عن الشموخ والكبرياء  مع اخر زفير .. قد تذهب معه وفاء لتفعل فعلها هناك ان احترمت صحبتها المستميتة وديمومتها المتغطرسة فوق سبابته المنتصرة  ، خرجت مأخوذا تحت وطأة اعتقاد باني سأجد عدد اصابعي هناك ، و فاقت دهشتي خيبة توقعي تحت مرأى  يطرد الاستثناء و يهزم الاعتقاد حين حشرت بين طيات حشد مهيب انعكست فيه لحمة الولاء وعبق الانسانية وصمت النهايات الا صوت حشرجة الاواصر الخالصة التي لا تصافح يدا ملساء….وكان عرسا ….