أثناء تدريسي لموضوع النبوة في إطار درس العقائد في حوزة المرتضى في دمشق في أواخر التسعينات، حاولت إثبات النبوة بدليل العدل، أي العدل الإلهي، وليس بدليل اللطف، ولكن لم أجد في النهاية هذا الدليل كافيا من الناحية العقلية المجردة للوصول إلى مرتبة القطع واليقين. في وقتها حاولت من أجل إثبات النبوة أن أصل إلى القول بوجوب التبليغ، بضميمة كل من العدل والحكمة واللطف إلى بعضها البعض، وبتعضيد بعضها البعض. فوجدت أن ما يمكن الاستدلال به على وجوب التبليغ هو ما يُعتقَد به أنه يمثل قاعدة عقلية، وهي تلك القائلة بقبح العقاب بلا بيان، وحيث ثبت أن الجزاء المتضمن لكل من الثواب والعقاب أمر لازم للعدل، الذي هو واجب عقلي، لأنه لازم من لوازم كمال الله، وهذا بدوره لازم من لوازم واجب الوجود الأزلي المستقل الغني. وقاعدة قبح العقاب بلا بيان تصلح بالاتجاهين، حيث إنه إذا ثبت أو رجح عدم البيان، أي عدم التبليغ، ينتفي العقاب على الإتيان بعمل يفترض قبحه عند الله، إذا لم يدرك كل من العقل والفطرة الإنسانيين قبحه.
وربما نجيب هنا من زاوية فهم أخرى أننا حتى لو افترضنا أن الله يجازي كل إنسان بعمله، وفقا لموازين العدل البالغة غاية الدقة، من غير لزوم التبليغ، بل بما جعل الله على الإنسان من حجة من قبل عقله وفطرته، ووفقا لمستوى إدراكه، وبحسب الفرص المتاحة له، والملكات والقابليات الممنوحة له، والظروف المحيطة بكل أشواط حياته، والعوامل المكونة لشخصيته، حتى ما سبق انبعاثه للوجود، كتأثيرات الوراثة أو تأثير الحالات النفسية للأم أثناء الحمل، وغيرها، لا ينفي ذلك إمكان اختيار الله للنبوة طريقا للتبليغ ولهداية العباد. فهنا يمكن أن يقال بأننا عندما نجد أن ليس كل شيء خاضعا للحسن والقبح العقليين على نحو القطع والإطلاق، بل هناك من الأمور ما يكون فيه التحسين والتقبيح العقليان على نحو الظن والترجيح والنسبية، مما يجعل الترجيحات متفاوتة بدرجة أو بأخرى، بل في بعض الأحيان متفاوتة تفاوتا حادا بين الأفراد، مما يؤول حتى إلى الاقتتال، فيكون كل من القاتل والمقتول قاطعَين بأنهما مُحِقّان؛ يمكن أن يكون هذا مرجحا لبعث الأنبياء من الله تعالى، حسما للخلاف.