23 ديسمبر، 2024 11:56 ص

هل الدين ضرورة للمجتمعات؟

هل الدين ضرورة للمجتمعات؟

بعض علماء الاجتماع يؤكدون على أن “الدين” يعتبر ضرورة هامة وملحّة للمجتمعات (كي تعيش بسلام ووئام)؛ ويشاركهم في هذا الرأي كثير من الفلاسفة، وخصوصا فلاسفة الاخلاق، كأسبينوزا وايمانويل كانت، واضرابهما؛ وعلماء الاجتماع انما قالوا بهذا الرأي لأنهم اعتبروا “الدين” منظومة اجتماعية، حيث بنوا بعض النظريات الاجتماعية على مبنى الدين، وكذلك فأن الدين هو ايضا اطمئنان نفسي وسلوكي للإنسان، وسنوضح ذلك بنقاط:

1-وجد الدين لترويض الانسان: فالإنسان صحيح أنه حيوان ناطق كما عبر عنه ارسطو، لكنه في نفس الوقت حيوان متمرد، أن صح التعبير، دائما ما تجده يتمرد على الظروف وعلى القيم وحتى على الواقع الذي يعيشه، واحيانا يرتكب جرائم ويحدث احداث جسيمة، وبالتالي يربك المجتمع الذي يعيش هو وسطه، فيصبح ذلك المجتمع جحيم لا يطاق. وهنا فأن الدين يعطيه الحافز ويشحن فيه روح الامل بأن يجب عليه أن يعيش حياته كانسان فاعل في محيط مجتمعه، وبالتالي تطمئن نفسه، او هكذا هو يشعر. واذن فأن الدين، من هذه الناحية، هو ضرورة نفسية سلوكية للإنسان لا يمكنه الاستغناء عنهما.

2-الدين قوة لكبح جماح الانسان: وذلك فأن الانسان، اذا ما شعر، بفراغ روحي فأن نفسه تطمع الى الوغول في التصدي لأفعال قضايا (كالجشع والامتلاك والحصول على اشياء اخرى مادية كانت او نفسية) وهذه القضايا يراها أنه من حقه أن يحصل عليها، او تأتي من باب الفضول، واحيانا قلة المعرفة، وعدم المبالات بالمخاطر التي ستقع عليه فيما بعد، فيقوم بالسرقة، والاعتداء على الآخرين، وربما يقتل ويرتكب اشنع الافعال، في سبيل الحصوص على تلك الاشياء. وهنا فأن مسألة الدين، وهو قد وضعها نصب علنيه، فأنها سوف تمنعه، او قدر الامكان تذكره، بعدم اتخاذ قرار حاسم بفعل مثل كذا جنايات قد يندم عليها فيما بعد، ولا نريد أن نقول أن هذه القضية تكون هي المانع المحفّز الاكيد، لكنها قد تحد ولو بالشيء اليسير، والا فأن هناك مجرمون لا تنفهم هذه بتاتا.

3-الدين يحث البشر على وجود اله يراقب افعال الانسان ويحصيها عليه، وعند الممات سوف يعرض عليه تلك الافعال. فاذا كانت افعاله حسنة فسيحصل على جوائز ثمينة من ذلك الاله، وادخاله جنة فيها ما فيها من نعيم، كما وصفتها لنا الاديان الابراهيمية. فيحرص الانسان على فعل الخير ويتجنب الفعل القبيح، طمعا في الحصول على تلك الجوائز التي وعدت الاديان الانسان بها، واشترطت عليه شروط يجب تطبيقها حتى يحصل عليها، كي يسكن ذلك العالم بعد الممات ويعيش في سعادة ابدية. فيحاول الانسان قدر المستطاع تطبيق تلك الشروط.

4-هناك كثير من يعتقد: إن كل الاديان هي صناعة بشرية، وهناك من يختلف ويخالف هذا المعتقد، والاختلاف رحمة كما يقولون. الاختلاف كذلك هو من يديم الحياة ويجعلها حيوية وفيها امتداد وعمق في هذه الدنيا الفانية، وكم هو الانسان بحاجة الى هذا الاختلاف، فكما نحن نتذوق الطعم الحلو ونرغب به، فنحن ايضا لا نستغني على الاشياء مرة المذاق، حتى نميز بينهما. والذي اريد قوله هنا: إن هناك كثير من الناس لا تعيش من دون دين، ويفضل الموت كبديل، لكن المرفوض من الدين هو التطرف في الدين، فهذا نرفضه بشدة. أؤمن ايها المؤمن بما تؤمن به، ودع الناس في شأنها، لا تفرض ايمانك ومتعقدك على الآخرين، كلٌ له رأيه ورؤاه. وهذا الكلام مشمول به ايضا اللادينيين والملحدين والربوبيين والعلمانيين والليبراليين، فالتطرف في أي معتقد أو أي نظرية او أي شيء آخر من هذا القبيل هو مرفوض عقلا.