18 ديسمبر، 2024 6:50 م

هل الديمقراطية حل جاهز دائماً ؟

هل الديمقراطية حل جاهز دائماً ؟

كلما راودني هذا الموضوع وفكرت في الكتابة فيه شعرت بالتردد لاحتمال إساءة الفهم، ذلك أن مصطلح (الديمقراطية) أصبح في عالم اليوم مسلّمة تبدو محاولة البحث في مداها وجدواها تخلّفاً عن التطور الذي بلغته الإنسانية وما تعارفت عليه من الحقوق.
هذا الموضوع يتلخص في تساؤلين : هل ينبغي التدرج في التجربة الديمقراطية؟.
وهل يختلف مستوى نجاح الديمقراطية من مجتمع إلى آخر ؟.
ما يدعو إلى طرح هذين التساؤلين المترابطين هو مفهوم الديمقراطية ذاته، فالديمقراطية بإيجاز نمط من أنماط الحكم يُستَمَد من الشعب عبر إرادة الأغلبية التي تختار في ظل الحكم الديمقراطي، ويكون على الأقلية احترام اختيار الأغلبية.
هنا يثور سؤال كبير : هل نضمن أن يكون اختيار الأغلبية دائماً سبيلاً إلى القرار الأفضل في اختيار الحاكم وشكل الحكم ؟.
لا يقتصر هذا السؤال الكبير على اختيار نظام الحكم واختيار من يمارس سلطة الحكم، بل يتعدى ذلك إلى إقرار القوانين والقرارات التي تمس عموم الشعب أو فئة أو فئات منه؛ فوسيلة ممارسة الديمقراطية -وهي التصويت- تجد التطبيق في المجالس التمثيلية ،كالبرلمانات، وفي التجمعات المهنية كالنقابات والجمعيات، ولذلك تكتسب الإجابة عن السؤال المطروح أهمية كبيرة وترتبط بنتائج بالغة التأثير.
من يملك حق التصويت ويمارس هذا الحق يلعب دور التأثير في القرار محل التصويت، ومثل هذه الممارسة المؤثرة تتطلب وعيه بحقه وبما يصوّت لأجله وما يؤدي إليه تصويته من نتائج في حال فوز الإتجاه الذي يدعمه بتصويته؛ ومن هنا يكون الوعي هو العامل الأساس، بل الشرط الذي لا بد من تحقّقه لنجاح الممارسة الديمقراطية، فهل يتوفر هذا الوعي في كل المجتمعات ؟.
يستند الوعي إلى أساس ثقافي قوامه التعليم والإقبال على مصادر الثقافة والمشاركة السياسية والاجتماعية والثقافية في فعاليات المجتمع، فأين هذا من مجتمعات تعاني الأمية وغياب المصادر الثقافية والعلمية والآفات الاجتماعية الخطيرة ؟.
في تجارب الأمم المتقدمة التي رَسَخت فيها أعراف وتقاليد ديمقراطية استقرت في ضمير الجماعة يعرف من يمارس حق الانتخاب ومن يصوّت لصالح تشريع ما أن ممارسته مسؤولية، ويقدر تأثير صوته بعد أن يكون قد فكّر وتأمل وتقصّى عن صفات هذا المرشّح ومبررات ونتائج ذاك التشريع، وحاور المرشّح ودرس فحوى التشريع؛ لكن هل نضمن أن يجري التصويت بهذا المستوى من الوعي في كل دولة ؟.
الإجابة المؤكدة هي النفي، ففي الدولة المتخلفة يسهل خداع الناخب بالوعود المضللة وتحريف الحقائق والوقائع، وفيها يسهل استغلال الناخب ورشوته لكسب صوته لصالح من لا يستحق، وبالنتيجة تكون الممارسة (الديمقراطية) هذه لصالح فرد أو مجموعة أفراد عن طريق أغلبية جاهلة.
في ظل هذا الواقع، كيف يكون الحل ؟.
هنا يبرز دور (الطليعة الوطنية) التي تولد بين صفوف مثقفي المجتمع ممن يتصدون للعمل السياسي وقيادة المجتمع وصنع الحكم الذي يعتمد منهج الاستقلال السياسي والاقتصادي وخطط التنمية في كل ميادين الحياة، ومن أهمها التنمية البشرية لتطوير الإنسان وتأهيله؛ ولنا في انتفاضات الشباب الواعي في العراق الآن وقبله في أقطار عربية أخرى الأمل والمثل في ولادة هذه الطليعة.
بعد هذه المرحلة تصبح الأرضية ممهدة لنشأة الديمقراطية الحقّة والتحول نحوها بجماهير تعي معاني حقوقها وواجبها الوطني.
ليست هذه دعوة لشموليةٍ في الحكم، بل لبلوغ الديمقراطية الفعلية التي نادى بها الفلاسفة وراودت أحلام وآمال الشعوب بعد توفير الأسباب التي لا بد منها للوصول إلى “حكم الشعب بالشعب”.