هذا ما تقوله القوات العسكرية والأمنية في ديالى
لم يعد من شيء غريب في العراق.. بل لم يعد من شيء غريب لا يظهر أو يُمارس في العراق، ومن الجميع، من مؤسسات الدولة، ومن الحكومة، ومن السلطات المختلفة، ومن القوى الأمنية المختلفة، ومن السياسيين والزمر السياسية، ومن المليشيات، بل حتى من الناس. وعليه لم نعد نستغرب أن نجد ونرى أي شيء. لكن الجديد الذي يبقى غريباً وغير متوقع أن يظهر هذا أو يُمارَس بصراحة بل بإعلان من أصحابها وتبريراتهم وربما تباهيهم بذلك أمام الملأ، وهو ما تمثل مؤخراً في ما أعلنته القوات العسكرية والأمنية في محافظة ديالى، وهي المحافظة التي لا يكاد يبقى فيها شيء على وضعه أو ألقه أو طبيعته.
فنحن نعرف أن تجريف بساتين ديالى يتواصل، إلى جانب ما فعلته وتفعله إيران بنهر ديالى من قطع وتحويل روافده، ويتم من سنوات، لكن الجديد هذه المرة إن هذا تضمن الأعلان بعدم حياء وأمام الاعلان، بل بتبرير يخجل منه حتى أبسط الناس، عن تجريف بساتين بعض مناطقها بحجة وجود الإرهاب والإرهابيين فيها. وهذا تبرير مرفوض تماماً لفعل مرفوض تماماً، وبادعاءات مرفوضة تماماً. ولعل أكثر ما يُضحك ويبكي هنا هو أن ذلك تم ويتم تحت شعار (الدم أغلى من الأرض)، بل أكثر من هذا أن القوات المعنية جعلت أصحاب هذه البساتين والأراضي الزراعية يوقّعون، وهم ينزفون دماً، على الموافقة بل الدعوة لتجريف بساتينهم.. هل يصدق أحد أن يُقدم فلاح أو مزارع واحد على ذلك؟ وكل ذلك تحت هذا الشعار البغيض (الدم أغلى من الأرض)، فهذا شعار لم نسمعه من أي شعب من الشعوب عبر التأريخ كله، فقد ترببينا، كما تربّت الشعوب جميعاً على ما هو عكس ذلك تماماً، نعنى على أن (الأرض أغلى من الدم)، ولم يكن هناك إيمان بهذا لكنا فقدنا أراضينا وبلداننا وشرفنا. ثم لو صح ها الشعار المفتعل والمخجل، وبتبريره الأمني، لكان يعني ألاتي:
* لو صح شعار القوات العسكرية والأمنية (الدم أغلى من الأرض)، لكان هذا يعني أن نضال كل شعوب العالم التي تربّت كما تربينا على شعار (الأرض أغلى من الدم والإنسان) عبثاً وهدراً للدم وتزييف للقيم، وهو ما لا نظن إنساناً عاقلاً يرضى به.
* أن هؤلاء الناس والفلاحين المساكين الذين يُدّعى بأنهم طالبوا ووقعوا للقوات العسكرية والأمنية الموافقات على هذا الفعل، لو صحّ أنهم فعلوا هذا، ونحن لا نعتقد أنه صحيح، لفقدوا الشرف والكبرياء والعزة.
* إن تبرير هذا الفعل بوجود إرهاب وإرهابيين، سيعني صحة تبرير الأفعال الإجرامية بحق الأهوار وبساتين بلد والدجيل التي نفذها الجيش العراقي في ظل النظام السابق.
* إن من حق داعش، أو على الأقل يكون مبرراً أن تقوم بتجريف البساتين وتهديم الجسور وإغراق الأراضي الزراعية في المناطق الغربية حماية لها ولسلطتها ولـ(دولتها) المزعومة.
* كون مثل هذا الفعل لا تمارسه عادةً إلا سلطات غاشمة أو محتلة أو استعمارية أو قمعية، وكما فعلته أمريكا على امتداد تأريخها من محاربة الهنود الحمر إلى محاربة العراق، والقذافي في جبال الساحل البحري مقاومةً للإسلاميين، وصدام وعائلة الأسد وغير ذلك، سيعني أن القوات العراقية، لو تواصلت في أفعالها هذه، ستكون واحدة من هذه القوى الغاشمة والقمعية، مع فرق أنها ستختلف عن بقية القوى الغاشمة والقمعية في أنها تجاوزتها حين ظهرت أمام الأعلام وهي تبرر أفعالها وتدفع أصحاب الأراضي إلى تأييدها إعلامياً. نقول هذا ونحن نتمنى أن لا تواصل قواتنا العسكرية والأمنية في هذا وإلا صار فعلها وصمة عار في تأريخها.
وهكذا يكون مهماً جداً من رئيس الحكومة لو قُيّض له أن يستيقظ من نومه، أن يسارع بإيقاف ما يجري، وإلا فإن الأمر لن يكون وصمة عار في تأريخ الجيش والأمن والحكومة والدولة والعراق.