يبدو ان”حيدرالعبادي”قد اخذ الضوء الاخضر من المرجعية الشيعية العليا”السيستاني”وايران الى حد ما في طي صفحة”المالكي”الفاسدة وسياساته الطائفية المتطرفة ضد القوى الداخلية الممثلة بالمكونين ؛”الكردوالسنة”والخارجية الممثلة بتركيا والمملكة العربية السعودية اللتان تمثلان القوة الاكبر في منطقة الشرق الاوسط ، وتزامنا مع ارسال الوفود الى الدولتين كبادرة حسن نية لتهدئة الامور وفتح صفحة جديدة معهما وكذلك القيام بزيارة مماثلة الى اقليم كردستان لانهاء الخلافات النفطية العالقة معه والتي انتهت بعقد اتفاقية اطلقت الحكومة المركزية بموجبها بعض الاموال المجمدة من الميزانية المقطوعة عن موظفي الاقليم منذ ما يقارب السنة ، اقول تزامنا مع هذه الزيارات التطمينية ، قام”العبادي”بحملة تطهيرية واسعة في مؤسسات الدولة ضد انصار ومؤيدي”المالكي”وخاصة في وزارتي الدفاع والداخلية اللتين كانتا تضمان اكبر مجموعة من اللصوص والمفسدين الموالين لرئيس الوزراء السابق ، وبدأها بالمؤسسة العسكرية حيث حل مكتب القائد العام للقوات المسلحة السابق والذي كان عدد افراده يبلغ 500 ضابط وموظف واستطاع ان يعيد الى خزينة الدولة من ميزانية المكتب مليار دولار ، واعقبه احالة 150 ضابطا كبيرا على التقاعد ، وكذلك قام بإعفاء واحالة 36 قائدا عسكريا من ذوي الرتب الكبيرة على التقاعد وتعيين 18قادة آخرين وما زالت التغييرات جارية في الوزارة الامنية الحساسة التي جرت فيها اكبر سرقة في تاريخ العراق المعاصر(195 مليون دولار)من صفقة الاسلحة التي عقدتها مع روسيا عام 2012 والتي بلغت قيمتها (4,2)مليار دولار ، وتورط فيها مسؤولون كبار في حكومة”المالكي”وعلى رأسهم المتحدث السابق باسم الحكومة”علي الدباغ”الذي اتهم بدوره نجل المالكي وبعض مستشاريه ورئيس لجنة الامن والدفاع البرلمانية بالمشاركة في السرقة ، ورغم اعلان الفضيحة ، فان ايا من المتهمين لم تطالهم يد القانون والمسائلة.. وبعد ان ابعد”العبادي”بعض المفسدين الكبار عن وزارة الدفاع ، التفت الى وزارة”الداخلية”التي تتحمل المسؤولية الاكبر في تدهور الاوضاع الامنية ، فقام بتغيير بعض الوجوه المتنفذة فيها وعلى رأسها الوكيل الاقدم للوزارة”عدنان الاسدي”الذي يعتبر من اكبر داعمي المالكي واخلصهم لسياساته طوال توليه الحكم ، وهو متورط بقضية اجهزة كشف المتفجرات الفاشلة التي (كلفت الدولة نحو مليار دولار فضلا عن تبعاتها المادية والمعنوية التي تسببت في ازهاق آلاف الارواح وعشرات الالاف من الجرحى وخسائر مادية تتجاوز عشرة مليارات دولار )حسب قول”العبادي” نفسه ، لذلك صمم على معاقبة كل من تورط في هذه القضية ايا كان منصبه ، فاصدر امرا باقصاء”الاسدي”من منصبه وتعيينه في منصب آخر ، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه ؛ لماذا لم ينزل”العبادي”العقاب على”الاسدي”واكتفى بنقله الى وظيفة اخرى؟ رغم معرفته بتورطه في القضية التي تمس الامن الوطني؟ وهي نفس الطريقة التي سلكها مع”المالكي”نفسه ، حيث اسند اليه منصب”نائب رئيس الجمهورية”بدل محاكمته وايداعه السجن على الجرائم الكثيرة التي ارتكبها بحق العراقيين؟
هل هي مناورة سياسية قام بها”العبادي”لتفادي المواجهة غير محمودة العواقب مع”المالكي”وانصاره الذين يمتلكون نفوذا واسعا في مؤسسات الدولة ، اوخضع لتهديدات مباشرة من المالكي بحسب بعض وسائل الاعلام التي ذكرت انه اي”المالكي”هدده بالانقلاب والاطاحة به”اذا ما تم توجيه التهم الى قياديين في المؤسسات الامنية المحسوبين عليه وعلى رأسهم “الاسدي”، وانه نبهه الى وجود اتفاق مسبق تم بموجبه تشكيل الحكومة الحالية يقضي بعدم ملاحقة 25 شخصية مقربة من”المالكي”وعدم توجيه اي تهمة لهم مقابل انسحابه من رئاسة الوزراء!!..
فهل خوف”العبادي”من تهديدات المالكي هو الذي دفعها الى القيام بذلك ، ام اننا نشهد مسرحية جديدة يقوم ببطولتها رئيس الوزراء الحالي ، بهدف تهدأة الامور قليلا لحين مرور العواصف العاتية التي تعصف بالحكم الشيعي في العراق والمنطقة ، بسلام ، لهذا رأى”العبادي”ومن ورائه دهاقنة الشيعة العالمية ان الطريقة المثلى للخروج من ازمتهم الداخلية والخارجية المتفاقمة هو الانحناء للريح العاصفة ريثما تهدأ الامور ، فسياستهم الرعناء طوال حكمهم الفاشل في العراق كانت وراء اشتعال المنطقة ، وكانوا هم وراء ظهور تنظيم الدولة الاسلامية”داعش”، ارادوا ان ينتقموا من اهل الموصل”السنة”لانهم لم يخضعوا لسياساتهم الطائفية ، فامروا الجيش بالانسحاب من المدينة دون قتال ليفسح المجال للتنظيم الارهابي باحتلاله خلال ساعات ! ..
وقد نشرت صحيفة”نيويورك تايمز”بهذا المعنى تقارير بعث بها دبلوماسيون في السفارة الامريكية في بغداد الى واشنطن وذكرت”أن الانطباعات التي كشفت عنها وثائق ويكيليكس للقاءات المتعددة لحيدر العبادي مع دبلوماسيين أمريكيين في مناسبات متكررة أن الملاحظات التي وردت على لسان العبادي ..تعكس وجهات النظر المعتادة للقادة العراقيين الشيعة وهو من نفس عينتهم “اي ان العبادي نسخة طبق الاصل من المالكي والجعفري اللذين طالما اتهما بالطائفية !! وقد يظهر عكس ذلك ! ..والايام القادمة حبلى بالمفآجئات !…