22 نوفمبر، 2024 11:53 ص
Search
Close this search box.

هل ارتكب البرلمان العراقي جريمة الخيانة العظمى؟

هل ارتكب البرلمان العراقي جريمة الخيانة العظمى؟

البرلمان في كل دولة، تقع على عاتقه كبرى المسؤوليات وعظمى الأمانات، وله كذلك مهام جسام وعليه وظائف كثيرة ومنشود منه الايثار والمثابرة والكفاح وبذل الجهد والمجهود في سبيل دعم جيشه وقواته الأمنية بكل جرأة وشجاعة، وعلى هذا أقسم البرلماني وأدّى اليمين الدستورية، التي وردت في الدستور النافذ(اُقسم بالله العلي العظيم، أن اؤدي مهماتي ومسؤولياتي القانونية، بتفانٍ واخلاص، وان احافظ على استقلال العراق وسيادته، وارعى مصالح شعبه، وأسهر على سلامة أرضه وسمائه ومياهه وثرواته ونظامه الديمقراطي الاتحادي، وان أعمل على صيانة الحريات العامة والخاصة، واستقلال القضاء، والتزم بتطبيق التشريعات بأمانة وحياد، والله على ما اقول شهيد).
لم تعقد جلسة مجلس البرلمان العراقي يوم 17/10/2016 بسبب عدم اكتمال النصاب القانوني للجلسة؛ لحضور مائة نائب فقط وغياب (228) نائب، ورئيس البرلمان اجل الجلسة، والنواب يبدو انهم لا يدركون عظم يمينهم الذي ادوه والمهام الملقاة عليهم من جراء ذلك اليمين؛ بخاصة ان انطلاق معركة الموصل في نفس اليوم، وهذا التأجيل بسبب عدم الحضور له اثار خطيرة وكبيرة اذا علمنا ان العطلة البرلمانية تبدأ يوم 2016/11/1 ولمدة شهرين، والمؤسف ان رئاسة مجلس النواب لم تتخذ أي اجراء بحق المتغيبين في مثل هكذا يوم مصيري يستوجب على البرلمان العراقي كضرورة وطنية، القيام بأربعة واجبات ولا احسبني ازيد، ما يلي:
الف-حضور جميع الأعضاء وتخصيص جلستهم لمعركة تطهير الموصل.
باء- اصدار بيان يعبر عن دعمهم للقوات المسلحة العراقية والبيشمركة ومؤازرتها في معركتها مع داعش.
جيم- القيام بوقفة اسناد للقوات المسلحة العراقية والبيشمركة امام بناية البرلمان.
دال- اتخاذ قرار بعقد الجلسة عاجلا في موقع عمليات الموصل، للتعبير عن دعم البرلمان بكافة اطيافه للقوات المسلحة وليبعث برسالة اطمئنان الى أهالي الموصل الكرام، لدفعهم للتعاون مع القوات المسلحة خاصة بعد ظهور عدة صيحات طائفية ومتشنجة من أطراف أدت الى خوف الأهالي، سيما ان المادة (21) من النظام الداخلي اجازت لمجلس النواب عقد جلسات البرلمان في بغداد او في اماكن اخرى.تلك الجلسة لو تم عقدها لأعطت صورة واضحة للتآزر والتلاحم بين أطياف الشعب العراقي؛ وخير من يجسد عرى ذلك؛ البرلمان؛ لكن البرلمان كان له حماسة فائقة في اصدار بيانات وقرارات في مواضيع غير مهمة، وأدت الى تأزيم الموقف الدبلوماسي العراقي بعامه والأمني في الموصل بخاصه؛ والذي كان تلبية لرغبات أطراف إقليمية، وكان الاولى والأفضل والاهم والاوجب على نواب برلماننا ان يحتشدوا في يوم انطلاق عمليات تحرير الموصل في كافة الجبهات ويعبروا عن شعورهم العالي بالمسؤولية الملقاة على عاتقهم.
 الم يكن حضور البرلمانيين في يوم انطلاق عمليات تحرير الموصل واجب شرعي قبل ان يكون واجب برلماني؟
الم يرتكب البرلمانيين الذين لم يحضروا جلسة يوم 17/10 جريمة الخيانة العظمى؟
ج/ الخيانة في اللغة، هي أن يُؤتَمن الإنسان فلا يَنصَح، وقد خانه العهدَ والأمانة، وخوّنه أي نسبه إلى الخيانة، فإذا كانت جريمة “الخيانة”، من الجرائم والسلوكيات المرذولة على المستوى الإنساني والشخصي في حياتنا عموما، سواء في صور الخيانات الزوجية، أو خيانة الأمانة، أو حتى خيانة قيم ومعايير الصداقة، فإن العقل القانوني الحديث، قد نقلها من إطارها الشخصي المجرد إلى الإطار العام ومجال السياسة، والتي ارتبطت في أذهان عامة الناس بأنها تندرج في إطار التجسس أو التعاون مع الأعداء، أو نقل معلومات إلى العدو أو الإضرار بمصالح الدولة العليا، رغم ان البعض اضفى على تلك الممارسات معنى سياسي اخر؛ وخلع عليه توصيفات “بطولية” وفى هذه المنطقة الرمادية بين السياسة والقانون، غالبا ما تتوه الحقيقة، وتغيب المسئولية الجنائية والدستورية تحت زعم هذه البطولات وكما حصل في العراق.
فالموظف الذي يقوم بهدر أموال الدولة أو يسرق منها ما يستطيع، فهو خائن، والجندي الذي يفر من ساحة المعركة هو خائن، والرئيس الذي يتّخذ قرارات خاطئة، بقصد أو بدون قصد، وتضر بالأمة جمعاء هو خائن، وكل من بيده الحل والربط، ويتخذ قراراً وينفّذه في هذه الدولة أو تلك، بفتح أسواقها لبضائع الدول الأجنبية، ولا سيما العدوة منها، ويغلقه بوجه بضائع لدول صديقة، دون سبب وجيه أو مبرر مقنع فهو خائن، وهكذا نجد الخيانة على أنواع وأشكال، وتتدرج من الخيانة الصغرى، فالكبرى.. فالكبرى، حتى تصل إلى الخيانة العظمى التي لا خيانة فوقها.
وتستند أسس دعائم الاتهام على مرتكزين أساسيين يتوافر في حال وجودهما أركان المسئولية الجنائية لجريمة “الخيانة العظمى” بشقيها المادي والمعنوي وهما:
الأول: مدى التزامه نصا وروحا بالقسم الدستوري الذي تولى على أساسه مسئولية المنصب.
الثاني: ارتكابه فعل أو عمل من شأنه هدم كيان الدولة وإنكار العدالة أو تعويق تحقيقها.
أذن فنواب البرلمان، بموجب اليمين الدستورية عليهم التزاما دستوريا وقانونيا، يتمثل بأربع واجبات، هي:
1- أن يحافظ مخلصا على النظام الديمقراطي الاتحادي.
2- أن يحترم الدستور والقانون.
3- أن يراعى مصالح الشعب رعاية كاملة.

4- أن يحافظ على استقلال الوطن وسلامة أراضيه وسمائه ومياهه.
فهل قام النواب العراقيين بواجبهم وفق هذا اليمين بعدم حضورهم جلسة يوم انطلاق عمليات تحرير الموصل؟
فمن ينتمي إلى وطن غير وطنه وقوم غير قومه ودين غير دينه، ويقوم بتحريضه والعمل معه، بهدف تدمير الوطن الذي ينتمي إليه بيده ويد عدوّه، والقضاء على سيادته واستقلاله، في سبيل أن ينال جائزته الموعود بها، كأن يصبح رجلَ سلطة يقيمها ذلك العدو، وتأتمر بأمره، ولا تخرج عن طاعته وتوجيهاته وأوامره قيد أنملة؛ فانه تنطبق عليه شروط أو مواصفات جريمة الخيانة العظمى، ومن يستلم بلداً وخلال أعوام بسيطة يصل به إلى مرحلة من التدهور والانشقاق غير مسبوقة وأن يسمح لأهله وعشيرته بإرهاب شعبه وإهانة جيشه، يكون قد ارتكب جريمة الخيانة العظمى.
وتكثر الخيانة العظمى في الدول الضعيفة، وتتفاوت نسبتها بين دولة وأخرى بحسب تفاوت الظروف والأسباب المؤدية إلى ذلك، وحين تمتلك الدولة ثروات باطنية، ولا تستطيع المحافظة عليها عن ضعف في قدراتها وعجز عن حمايتها وسوء تصرّف وعدم خبرة في استثمارها، عندئذ يطمع الطامعون من الدول الكبرى الطامعة، للسيطرة على تلك الثروات، فيسعون لذلك إما عبر الاحتلال المباشر، أو عبر زرع الفتن والاضطرابات، وتصنيع العملاء من ضعاف النفوس وإغرائهم بشتى الوسائل، ومَن يجدون في نفسه انحطاطاً أخلاقياً، يغرونه بما هو مناسب، فيفتحون له أبواب الحانات والملاهي والمواخير، ومن يتطلع إلى عز وجاه وأبّهة؛ ويقطعون له العهود والمواثيق الغليظة، ويمنّونه بالمناصب الرفيعة في الوقت المناسب، وكل شيء له ثمنه ومقابله، وثمن ذلك أن يصبح هؤلاء أداة طيّعة بيد العدو ووسيلة لتصدّع بنيان الدولة، وهكذا يقع مَن يقع من هذه النوعيات في مستنقع الخيانة العظمى.وكذلك حين يكون شعب الدولة الضعيفة قائماً على التعدد القومي والقبلي والديني والمذهبي، حينئذ تتنافر الأهداف وتكثر الغايات وتتضارب الأفكار، ويسعى كل طرف لأن يغنّي على ليلاه، فيحدث أن تفكر الفئة أو الفئات الأضعف والأقل عدداً بالتمرد على سلطة الدولة ومؤسساتها، والسعي للانفصال عنها، فتنظر إلى من يعينها على ذلك، وهكذا تنجذب إلى إغراءات عدو خارجي، ليعينها على ما تنوي تحقيقه، لاسيما حين يحمل ذلك العدو في نفسه حقداً تاريخياً على تلك الدولة، أو يرى في موقعها الجغرافي ثروات مغرية أو صفةً استراتيجية يستفيد منها على المدى القريب أو البعيد، فيمدّ تلك الفئة أو الفئات، بما هو كفيل بزرع الاضطرابات المستمرة، فتضعف قوة الدولة وينزلق السواد الأعظم من تلك الفئات الشعوبية المتعاملة مع العدو زرافات ووحداناً إلى مستنقع الخيانة العظمى.
ان أعضاء مجلس النواب لم يعبروا عن مسؤوليتهم القانونية والأخلاقية في دعم جهود الجيش العراقي في استعادة مدينة الموصل هذه المدينة الصابرة من أيدي إرهابيي داعش المجرمين بعد ان تحمل اَهلها العنت والمشقة والأذى والعذاب، وفعلة أعضاء مجلس النواب المتغيبين تعد خيانة عظمى بنظر الكثيرين، وإذا لم تعتبر كذلك؛ فأرجو أن يدلنى أحد من الإخوان على معنى الخيانة العظمى.
ونختم مقالنا بما قاله السيد مقتدى الصدر في 26/8/2016 وهو في صدد مطالبته بدعم رئيس الوزراء في تقديم مرشحي وزارتي الدفاع ‏والداخلية:
“ان البرلمان يعلن عن فساده جهاراً نهاراً وبدون خجل ولا وجل ليكملوا ‏تقسيمهم وتقاسمهم للكعكة غير آبهين للجيش العراقي وهو يقاتل في جبهات القتال ‏وغير ملتفتين الى الفك الذي يقضم لقمة الشعب وغير مراعين لشعبهم الذي يعاني ‏ويلات الخوف والجوع… ومتغافلين عن دولة ستكون بلا وزيري دفاع ولا داخلية ‏وكأنها دولة الشغبِ”.‏وختم الصدر بيانه بمخاطبة الشعب بقوله “على الشعب ان لا يسكت عن ممثليه ‏البرلمانيين، والا فمن رضي بفسادهم فهو منهم وحينئذ فسيوأد الاصلاح والصلاح لا ‏محالة فلن يغير الله تعالى ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”.

أحدث المقالات