23 ديسمبر، 2024 5:52 ص

هل اختفى جيل الطيبين

هل اختفى جيل الطيبين

يتسائل الشباب فيما بينهم عن جيل الطيبين وربما هذا السؤال يكون باشمئزاز وبعض السخرية ..وماذا كان يأكل هذا الجيل ومن هم ؟
هل هو الأميين الذي لايستطيع أغلبهم القراءة والكتابه ؟
ام انهم فقراء القرى والمدن الذي لم يشبعو بطونهم من الفقر وأحيانا من الحياء ..
أليس اليوم افضل من الامس من ناحية العلم والتكنولوجيا والبيوت الحديثه والسيارات الفارهة والقنوات الفضائية المنوعة البرامج …
الم يكن التلفزيون ممنوع الا قناة واحدة أو اثنتين فقط وتغلق في وقت محدد ..
الم يكن الموبايل غير موجود ولايعرفون الاتصالات الى عبر الهاتف الارضي …..
فأين هم جيل الطيبين ؟؟؟؟؟
نعم أيها الشباب أيها الجيل الجديد من حقكم أن تتسائلو عن الماضي وحياة ابائكم وحياة اجدادكم وتاريخهم وحياتهم ..وانتم تعيشون حياة العصرنة والتكنولوجيا الحديثة بأنواعها المختلفة …
في الماضي كان في البيت وأقصد بيت المدينة والناحية فقط الهاتف الارضي وكان الاقتراب منه ممنوع وبعض أرقامه محضورة وخاصة الصفر وكان غير مسموح استخدامه الا للوالدين فقط وإذا رن الهاتف تسمع اصواتهم وبصوت عالي واوامر صادرة بالأمر من بعيد لا أحد يرد فربما سوف يكون رجل غريب على الخط يتصل وهذا مخالف لمفهوم الأخلاق والحياء وكان اقتراب البنات من الهاتف فيه نوع من الحياء والجواب على الهاتف يشبه خروج البنات الى الشارع بدون الحجاب اوغطاء الرأس ….
في الماضي كان التلفزيون في القرية والمدينة فيه قناتين فقط ولكنهما تكفيان لإيصال اخبار البلد والعالم الى الأسرة وكانت العائلة تملك تلفزيون واحد فقط وهناك برامج خاصة لكل فئة في العائلة فالاطفال يشاهدون برامج الصغار في التلفزيون مثل افتح يا سمسم والكابتن ماجد وزينه والسندباد ونحول وكل هذه البرامج للاطفال كانت تقدم بعد العصر إلى قبل المغرب يودع الاطفال بعدها التلفزيون مستعدين لاستقبال الليل والنوم المبكر والجلوس في الصباح الباكر…أما الشباب والكبار فبرنامج العلم للجميع.والرياضة في اسبوع .وكلها برامج أسبوعية وكان فلم الاسبوع يقدم في يوم الجمعة عصراً…أما نشرة الأخبار فتقدم يومياً عند الساعة الثامنة والعاشرة مساءً…وقبل أن يدخل التلفزيون في البيوت كان الراديو هو البديل وكان اغلب الناس يسمعون الاخبار العالمية طازجة من مونتكارلو أو لندن .وكان اغلب أهالي جنوب الموصل ينتظرون يوم في الاسبوع ليستمتعوا بتراثهم الاصيل من إذاعة بغداد وبرنامج ركن البادية ولدقائق معدودة يشعر المستمع بسعادة لاتوصف وهي يسمع الملاضيف الجبوري وسلطان احمد وغيرهم من مطربي الربابة المشهورين في حينها .. .
كان الأب عملاق زمانه وشخصيته تكفي لكلام واحد لكل افراد الاسره كان كبيرا بنظر الجميع واي نظرة من عينيه تخرس الجميع …واما ضحكته فكانت تطلق فرحاً وأعيادا في البيوت.. وعندما يسمعون صوت خطواته القادمة إلى غرفة جلوس العائلة من الصباح تكفي لأن يستيقظ الجميع من عميق السبات ونغسل وجوهنا ثم وجبة الإفطار الموجودة ببساطتها والذهاب كلا الى عمله ..
في الماضي كانت المدرسة قريبة اوبعيدة نمشي إليها كل صباح ونحن مْرتاحين ألأنفس ليوم دراسي جديد ونعود عند الظهيرة..ولم نقول آه أو اوف لأننا نعتبرها معيبة لم نحتاج إلى سيارات مكيفة ولم نخاف على أنفسنا ونحن نتجول في الحارات وفي براري القرى ولم نخاف الحر والبرد رغم قساوته في الماضي.وقلة الملابس وانعدام وسائل التدفئة والتبريد لم تكن هناك بكتريا اوجراثيم على عربانة بيع الخضراوات ومحلات بيع اللحوم ولم نسمع بإفليونزا الطيور أو الحمى النزفية ولم نراها في أرضيات البيوت وفي سقوفها ولم نسمع عنها في إعلانات الجرائد والتلفزيون ولم نحتاج لسائل معقم ندهن فيه ايدينا ووجوهنا كل ساعتين لكننا لم نمرض في حينها ولم نعرف الضغط والكوليسترول وأمراض السكر وتصلب الشرايين في الماضي وانما عرفناها في عهدكم فقط ..
كانت للأم سلطة قوية جدآ تستمد قوتها من الاب وللمعلم سلطة مطلقة تستمد من العلم وللمسطرة الخشبية الطويلة سلطة الضرب على ظهر اليدين كنا نبلع ريقنا أمامها وهي وإن كانت تؤلمنا وتبكينا من الداخل لكن فوائدها كثيرة فخوفنا منها جعلنا نحفظ جزء عم وجدول الضرب وأصول القراءة والكتابة والخط العربي ونحن لم نتعد العاشرة من العمر.وعلمتنا اللغة الإنجليزية ونحن لم نعبر الثانية عشر من العمر.تعلمنا من المدرسة والمعلم وبمساعدة هذه المسطرة الخشبية الأخلاق والآداب وكيفية احترام الكبير والعطف على الصغير ..
كان في الماضي يبعث الجيران ابنهم الصغير حمودي وهو مصغر لمحمد اوأحمد يأتي فيطرقُ الباب ويقول: (أمي تسلم عليكِم وتقول عندكم بصلات..عدكم طماطيتين .عدكم بيضه . رغيفين خبز) كل شيء مسموح طلبه من الاكل والماء البارد كنا إخوان مع جيران البيوت وحتى الحائط بيننا مشترك وكنا مشتركين بالجدر والجدار …
كان الحياء وماء الوجه لدى الرجال والنساء اكثر من مياه نهر دجلة والفرات وكانت الرجولة تقتل الطمع وكانت النساء تطبخ على بركة الرحمن.كنا كل مانأكله في البيوت من خضراوات وفواكه ولحوم هو إنتاج عراقي ولم نسمع في المستورد في حينها….
كانت الحادية عشر مساءً توقيت لايمكن تجاوزه فكل افراد العائلة في هذا الوقت جالسة في البيوت .
أما النساء ماكثات في المساء في البيوت وممنوع عليهن تجاوز الاعراف والتقاليد.والرجال لايعرفون مكان مفتوح في هذا الوقت إلا المستشفى أو گراج النقل الى المحافظات الاخرى.او مايسمى گراج بغداد..
كانت النيات السليمة بين الجيران وتبادل الزيارات ويطعم الجار جاره كل اكلة دسمة يطبخها فيأتي منها بطبق لذيذ تتذوقه معهم ..الان تتبادلون الشكوك والظن السيء للاسف مع الجار .وٓيشٓم الجار رائحة طبيخ جاره فقط .
أما زلتم تسألون عن جيل الطيبين
جيل لم يأكل البيتزا صحيح ولكنه شبع مع الثريد حتى وإن كان ماء ويصل فقط ..جيل شبع الكوليسترول من خلال دهن الحر ولكنه لم يستخدم مضادات ضد الدهون ..
جيل يعرف اين يجلس ومتى يتكلم ولايوجد عندهم شيء اسمه صديقة …
نعم إن الأنفس تغيرت وأعمتكم حضارة العصرنة.. حضاره ألبستكم أرقى أنواع الملابس.وركبتم افخر السيارات وسكنتم احسن القصور. ولكنها عرتكم من كل القيم الإنسانية والأخلاق وصلة الرحم …حضارة ابعدت الجار عن جاره.وافقدت الرجل حياءه .وحولت المرأة في اغلب العوائل الى سلعة رخيصة تخرج شبه عارية بأسم الثقافة والحرية ..واصبحت الام في بعض البيوت تشبه الخادمة في البيت ولايسمع كلامها أحد والأب كحمالة الحطب يحتاجونه من أجل الراتب التقاعدي فقط .او رعاية الأطفال بغياب الأمهات .ولم يْحترم الاخ الكبير ..ولم يْعطف احد على الصغير..حضارة كارتونيه جعلت البنت تخرج من التقاليد والأعراف وتتكلم بالهاتف النقال دون رادع اوخوف …حضارة مزيفة صنعتوها بإسم العلم وهي بعيده من مفهومها العلمي . صنعتها القنوات الفضائية المنوعة لقتل صلة الأرحام وتفتيت المجتمعات والابتعاد عن الإنسانية ..
أما زلتم تسألون عن جيل الطيبين ..لقد رحلو ورحلت معهم طيبتهم ..
نعم انهم جيلاً سوف تشتاقون إليه أنه جيل الطيبين…