العواصف الترابية التي هبّت على الأجواء العراقية مؤخراً بسبب قلّة المياه والأمطار والتشجير وعوامل التصحّر رافقتها عواصف سياسية كانت أشد وطئاً وتأثيراً بالمشهد السياسي العراقي خصوصاً بالمكّون السني قد تُغيّر ألوان الطيف السياسي بإتجاهات مغايرة، فإطلاق سراح عدد من قادته الذين كانوا خلف قضبان السجون العراقية بتهم شتى وعودة آخرين من منافيهم بإقليم كردستان وتركيا وغيرها ربما يؤشر أن إعصار سياسي قادم شبيه التأثير بتسونامي يلوح في الأفق خصوصاً بين زعامات المكّون السني وإحتمالية أن تأخذ بوصلة السياسة إتجاهات مغايرة أو معاكسة أو حتى تُحدث إنقلاباً في موازين القوى السنية التي تتزعم المشهد العراقي، فإطلاق سراح رافع العيساوي وزير المالية الأسبق وتبرئته من جميع التُهم الموجهة إليه وعودته إلى الساحة السياسية بعد أن كان يتسيّد زعامتها السنية كل من محمد الحلبوسي رئيس البرلمان العراقي الحالي وشريكه في الزعامة خميس الخنجر مع ماترافق من عودة آخرين من منافيهم إلى بغداد مثل الشيخ علي حاتم السليمان (من شيوخ الأنبار) من منفاه في أربيل ربما يؤشر علامة فارقة وبصمة تؤكد تغييراً مؤكداً في موازين القوى السياسية قد تقلب المشهد السياسي العراقي رأساً على عقب خصوصاً مع ظهور أصوات هنا وهناك تطالب بضرورة حلّ البرلمان الحالي وإعادة الإنتخابات كحلّ نهائي وأخير لإنفراج أزمة الإنسداد السياسي التي يعاني منها البلد. وماتعنيه إعادة الإنتخابات من صور مختلفة ومغايرة للواقع الحالي من تغيير قد يطال العناوين السياسية (السنية) التي كانت تتربع على عروش العملية السياسية في العراق.
المتغيرات المفاجئة التي أحدثتها إطلاق سراح عدد من القيادات والعناوين السنية من السجون وتبرئة آخرين من كل التهم توحي بأن القادم يحمل الكثير من المتغيرات في المشهد السياسي للمكّون السني الذي إنتقلت إليه عدوى الصراعات وتنافس الزعامات من المكونات الشيعية والكردية.
ما تسرب من معلومات عن إحتمالية عودة طارق الهاشمي نائب رئيس الجمهورية الأسبق المطلوب للقضاء العراقي بتهم إدارة وتمويل هجمات إرهابية في عهد حكومة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي الذي أُثيرت في عهد حكومته أكثر التهم ضد هؤلاء الزعامات تسببت بسجنهم أو مطاردتهم خارج البلد، كان الإنتربول قد رفع عام 2016 إسم الهاشمي نهائياً من قائمته الحمراء للمطلوبين بالإعتقال بسبب التأكيد أن المعلومات المقدمة من قبل السلطات العراقية كانت غير دقيقة وأظهرت شكوكاً في صحتها.
وتشير معلومات أخرى إلى قرب إطلاق سراح البرلماني السابق وعضو القائمة العراقية (أحمد العلواني) الذي كان معتقلاً بتهمة قتل عدد من الجنود العراقيين أثناء الإشتباك معهم للقبض عليه وتهم أخرى تتعلق بالتحريض الطائفي وصلت عقوبتها إلى الإعدام ليجد هذا الرجل نفسه قريباً خارج أسوار سجون بغداد.
ربما يكون السيناريو الذي يراه الكثير من السياسيين ويصرحون به هو بقاء حكومة مصطفى الكاظمي لتصريف الأعمال مع إجراء بعض التغييرات الوزارية حتى عام 2023 موعداً لإجراء إنتخابات بديلة وجديدة تشارك بها كل هذه العناوين والمسميات التي دخلت المعترك السياسي من جديد ولتكون مشاركتها بقوة وتنافس مع تلك الأسماء التي إعتاد عليها المكّون السني، لكن الأغرب أن أغلب هؤلاء العائدين بدت علاماتهم الواضحة بإتجاهات حثيثة في الإتفاقات والتحالفات مع من كانوا سبباً في إتهامهم ودخولهم السجن والمنافي وتحالفهم معهم وهو مايؤكد أن السياسة في العراق ليست بسياسة. فالتحالفات المختلطة (سنياً– شيعياً– كردياً) لن تكون مقتصرة على تحالف إنقاذ وطن الذي يضم (مقتدى الصدر– محمد الحلبوسي– مسعود بارزاني) بل يتوازى معه تحالف الإطار التنسيقي الذي يضم بعض الزعامات الشيعية المتخالفة والمختلفة مع مقتدى الصدر والإتحاد الوطني الكردستاني المنافس الأكبر للحزب الديمقراطي الكردستاني على منصب رئاسة الجمهورية وبعض الزعامات السنية التي إنضمت مؤخراً وعادت إلى المشهد السياسي في إصطفافات مضادة.
في خضم كل هذا الحديث الذي يدور يبقى السؤال الأهم والأكبر هو هل تتنازل بعض العناوين (السنية) التي تربّعت على عروش زعامة المكّون وتتخلى عن المصالح والمنافع والإستحقاقات التي أفرزتها وأوصلتها إلى أعلى السلطات في النظام السياسي وتعيد الإنتخابات بنتائج غير محسومة أو مجهولة؟ الحقيقة التي لابد من الإعتراف بها أن الجميع بات يريد الإنقضاض على الجميع وتلك مشكلة اللعبة في العراق بأنها تجعل من الثأر والإنتقام مبادئ السلطة والحكم والنفوذ في البلد، فتصريحات وتغريدات بعض العائدين إلى المشهد السياسي وغمزهم بالإنتقام من حلفائهم السابقين في المكون يوحي بأننا أمام مشهد دموي للصراع لن ينتهي إلا بنهاية أحد المتصارعين نهاية تودي بحياته لينتهي المشهد ليس بنهاية قاتمة فقط وإنما نهاية تشمل الفائز والخاسر على حد سواء وهي خاتمة ماكانت تسمى عملية سياسية في العراق.