بعد التظاهرات التي خرجت في ساحة التحرير في بغداد وبعض المدن في المحافظات في اعقاب تولي السيد نوري المالكي ولايته الثانية سنة 2010, وبعد ان تم تفريق او قمع تلك التظاهرات السلمية بالطريقة التي يعرفها الجميع , تم ايجاد ما يسمى ال 100 يوم لإفساح المجال للحكومة في اثبات قدراتها بعد مرور هذه المدة من تشكيلها لأن هناك من يعتقد بأنه من الظلم الحكم المسبق على الاداء , وحسب ما ادعته الاقلام والآراء ( المتعاطفة ) التي ظهرت في الاعلام المحلي , فان ممارسة المائة يوما سياقا معمول به في أغلب التجارب الديمقراطية في العالم , وبذلك تم تحقيق النجاح الباهر في تكميم الافواه ومواجهة المتظاهرين بخراطيم الماء الساخن والقنابل المسيلة للدموع واعتقال المتظاهرين , على انهم ( مغرضين او مستلمي الاجر المادي ) وانتهى الامر الى ما وصلنا اليه في حزيران 2014 .
و ( لو ) كانت مهلة ال 100 اليوم صحيحة ويتم التعويل عليها في الحكم الأولي على الاداء الحكومي , فقد مضت هذه المدة على حكومة العبادي لهذا فمن حق الجميع ان يعطي تقييما أوليا عن الأداء الحكومي , وباستثناء ( الفزعات ) التي قام بها الدكتور العبادي فان اداء وزاراته بما يتناسب مع هدف التغيير غير واضح لحد الآن , فتوزيع مفردات البطاقة التموينية يشهد تراجعا من خلال غياب واضح في التوزيع , والتربية قامت بإلغاء امتحانات نصف السنة بغياب الاسس العلمية والتعليم العالي لم تعلن عن خططها وتغييراتها بعد , والكهرباء تراوح مكانها والاقتصاد يثير قلق الجميع والخدمات باقية على حالها والنازحون لم يتحولوا الى الكرفانات على الاقل والمنطقة الخضراء تزداد خضارا يوما بعد يوم , والمعارك تدور رحاها بين كر وفر وجرائم الاختطاف والاغتيال تحولت الى مهنة وتهمها تطال بعض المسؤولين .
ولم يحدث تقدم حتى في الرياضة فالمدرب العراقي للمنتخب الوطني تمت استعارته من قطر لمدة 40 يوم , كما ان المصارف الحكومية خرجت منها روائح الفساد النتنة , والاتصالات الخلوية تعتريها السرقات من رصيد المشتركين ولم تدخل الجيل الرابع ودوائر الصحة لم تقوم بواجباتها بالشكل الصحيح فالعديد من المرضى يبحثون عن العلاج خارج العراق , وهناك تراجعا واضحا بتسلسل العراق من حيث الامان والنزاهة والنظافة وانتهاك حقوق الانسان , وأرقام المنفيست لا تزال تجوب الشوارع رغم اطلاق المشروع الوطني منذ سنوات , والبطالة تسود فئات الشباب , وقانون التقاعد الجديد لم تصدر تعليماته بعد , كما ان الفقر إرتفع من 18% الى 30% حسب تصريحات وزير التخطيط , ولم تنخفض نسبة العنوسة والعزوبية والترمل واليتامى , ومشاريع البلديات وأمانة بغداد في حالة توقف شبه كلي والأمطار القادمة ستكشف المستور .
واغلب القضايا الساخنة في اطار التحقيقات , ومنها أسباب نكسة حزيران وضحايا سبايكر والطائرة التشيكية وسرقة اموال العراقيين في المصارف الاهلية وأسباب ارتفاع مبيعات البنك المركزي الى 250 دولار مليون يوميا وهدر وغسيل اموال العراقيين , والسيطرات المصرة على التباهي بجهاز فاسد لا تزال مهمتها مضايقة العراقيين ولم يرفع عنها حجرا واحدا بعد , ولم تستطع الحكومة من اعداد موازنة 2014 حتى ولو كانت شكلية ومن باب التوثيق , وفي كل اسبوع يتم تأجيل عرض موازنة 2015 على مجلس الوزراء لدرجة ان مجلس النواب تمتع بعطلته التشريعية بعد ان يأس من الوعود والمواعيد رغم ان في ذلك مخالفة صارخة للدستور , ولا تزال عمليات تعيين المستشارين تتم بالطريقة السائدة سابقا من باب المجاملة ورد الاعتبار , بعد ان كان هناك من يتوقع ان يلغى عنوان مستشار لان هناك مؤسسات عديدة في دولتنا المترهلة قادرة على تقديم افضل الاستشارات .
لا نقول ذلك لغرض الاحباط او التسقيط , وإنما من باب الحرص والاعتزاز , فبسطاء العراقيين وهم من الغالبية السائدة في مجتمعنا حاليا يعولون على حكومة السيد العبادي ويضعون فيه ثقتهم و البعض يصفونه عبد الكريم قاسم الجديد ( رغم انني لم اعيش عصر قاسم الذهبي كما يقولون ) , والشعب المظلوم والمبتلى بسنوات التدمير والموت والظلم التي امتد عمرها الى نصف قرن , ينتظرون منه مزيدا من الانجازات لا بالاعتماد على جهوده الشخصية , من خلال قيامه بتدقيق أسماء العاملين لاكتشاف الفضائيين او غيرها من النجاحات , وإنما من خلال تفعيل دور المؤسسات وتشغيل الوزارات ومطالبتها بالأداء واستبدال الوزراء ممن لم تثبتوا كفاءتهم من خلال مكاشفة كتلهم بحقيقة الامور , والشعب يرحب بما يقدمه العبادي من تشخيص ومعالجات ولكن ممارسته تلك الادوار نيابة عن الوزراء قد توقعه بالكثير من الاخطاء التي ستحسب عليه وليس له وينأى عنها اصحاب المسؤولية والصلاحيات في وقت يتواجد فيه المتربصون .
وخلال المائة يوم الاولى من عمر الحكومة , فهم المؤيدون والمعارضون توجهات العبادي وقدراته الفائقة على الحضور والتغيير , ولكن الامر الذي اختلط عليهم ولم يكون واضحا لهم ولو بشكل مبدأي وأولي ما يتعلق بالتوجهات والأهداف التي يسعى لبلوغها بعض الوزراء , لان ادائهم لم يظهر للجمهور يشكل جلي ولا نبالغ حين نقول ان اكثر العراقيين لا يعرفون اسماء اغلب الوزراء , لاسيما الذين لم يتولوا مسؤوليات من قبل فحتى ظهورهم الاعلامي محدود ومنهم من يظهر في الوسائل الاعلامية العائدة لأحزابهم وكتلهم فحسب , وبشكل جعل البعض يطلق احكاما بان الحكومة الجديدة بطيئة الاداء والإيقاع رغم الحاجة الملحة لإثبات الجدارة والكفاءة الاقتصادية بسبب حساسية الظرف الذي يعيشه العراق في مواجهة الارهاب ونقص الايرادات وورثة ثقيلة حبلى بالمتعلقات , فالوضع لا يحتمل المجاملة وهمة عدد محدود في مجلس الوزراء لا يعني اجتياز أل100 يوم بنجاح , ورغم ذلك فالأمل موجود ويتمنى المخلصون بان يتحقق حلم العراقيين في التنمية وان لا ينتظروا اربعة سنوات اخرى لإحداث التغيير من جديد .