كتاباتنا وحواراتنا ونشاطاتنا المتنوعة، تدور حول الأشخاص وتتناسى الوطن والمواطن , فالمقالات التي تتحدث عن الأشخاص تكون مقروءة أكثر من المقالات التي تتحدث عن ظاهرة أو موضوع يهم المواطن والمصلحة العامة.
فهل لدينا ميل غريب وربما منحرف للإهتمام بالأشخاص، بدلا من الوطن ومصالحه ومصالحنا العامة.
فقد تحدثنا وكتبنا الآلاف من المقالات عن الأشخاص، خلال الأعوام الماضية، وما تجد إلا القليل منها التي لا تتناول هذا وذاك من أصحاب الكراسي والسلطة في البلاد.
فلماذا هذه الوسوسة بالأشخاص؟
هل لأن الوطن يتحول في وعينا إلى شخص ؟
هل لأن الوطن فئة أو طائفة؟
هل لأن الوطن كرسي أو حزب؟
إن هذه الكتابات والولع المريض بالأشخاص، يؤكدان أن الوطن مغيّب عن وعينا، وأننا بشر بلا وطن كالآخرين، وإنما وطننا الكرسي والسلطة وحسب.
وإلا ماذا يعني أن ينشغل الناس بفلان وعلان من أصحاب الكراسي، ويدخلون في أنفاق وإلتواءات ، ويفقدون بوصلة الطريق الصحيح ، وينحدرون في عثرات الدروب والوديان والجحور والأنفاق والآبار الظلماء.
مَن هو فلان أو فلان؟
لماذا لا نكتب بمداد عراقي وبيراع الوطن العراقي ؟
هل لأننا قتلنا الوطن في وعينا، وألغيناه من عقولنا وطردناه من خيالنا؟
إن أسلوبنا في الإقتراب من الأحداث والتطورات، منحرف ومضطرب وبدائي، يدعو الآخرين إلى الإستغراب منا والإستهزاء بعقولنا، وعدم إحترامنا.
قد ينكر البعض ذلك، لكن الذي يجري عندما تنظره من بعيد يكشف مأساة تفكيرنا، الذي يعاني من معضلة حضارية خطيرة , وكأنه لا يعيش في عصره، وإنما يندحر في جحور زمنية، طمرتها البشرية منذ قرون وقرون، فترانا نتصرف بآليات عقلية ونفسية بائدة، ومتخلفة عن زمانها.
إن التركيز على الأشخاص يعني نفي الوطن، وإلغاء التقدم، وإستلطاف المراوحة، والحركة في الأطيان والأوحال.
والمجتمعات لا تتقدم وتعاصر إذا إنشغلت بأشخاص مضطربين في سلوكهم الذي يسمونه جزافا سياسيا، وما هو إلا كسلوك الأطفال المصابين بإضطراب الحركة والإنتباه، والذين يستنزفون طاقات أبويهم في المتابعة والرعاية.
فالمجتمع العراقي، وفي جميع الفترات، ينشغل بالذين يحسبون أنفسهم أسوياء وما هم إلا من المصابين بجرثومة الكراسي التي تنخر في عقولهم نخرا مروعا.
تبا للأشخاص، أيا كان لونهم ومسمياتهم، وتبت ألاعيبهم وتفاعلاتهم الرامية لإشغال الناس بهذيناتهم وإنحرافاتهم السلوكية.
فلنهمل الأشخاص ونرى الوطن والمواطن , وعندها ستتحقق اليقظة الوطنية , فالعراق ليس هذا ولا ذاك، العراق وطننا الحضاري الكبير العريق، الذي علينا أن نرعاه لكي يرعانا، فيأنس بنا وننعم بخيراته ومقامه الكبير.
فالأوطان بأبنائها، والعراق وطننا وليس الشخص أو الكرسي , فجميعهم يذهبون ويبقى العراق ,
فلنغير آليات تفكيرنا لكي يولد العراق المعاصر الجديد.