بعد سجال طويل ما بين الحكومة الإتحادية المتمسكة بشرط تطبيق بنود الدستور العراقي من جهة وحكومة إقليم كردستان/العراق من الجهة الأخرى، وأصرار قوي من رئيس الوزراء الإتحادي وأعضاء حكومته على (إنتزاع) إعتراف واضح من حكومة الإقليم بقرار المحكمة الإتحادية العليا القاضي بوحدة الأراضي العراقية والغاء “الإستفتاء” الغير شرعي ومطالبة واضحة بتسليم إدارة كافة المنافذ الحدودية والمطارات المحلية لسلطة الدولة الإتحادية كشرط لبدأ الحوار، ومطالبة بعثة الأمم المتحدة في العراق “يونامي” لحكومة الإقليم “بأن تعترف وتؤيد الحكم الصادر عن المحكمة الإتحادية العليا بشأن وحدة العراق، وإن تؤكد من جديد التزامها الكامل بالدستور”.
وبعد تهرّب وتعنّت ومماطلة من الحكومة المحلية للإقليم التي لم تغيّر من واقع الحقائق على الأرض أي شئ!!، خرجت علينا هذه الحكومة ببيان يفتقر بمدلولاته الى أبسط مقومات ودلالات الثقة التي يجب أن ترسلها كحكومة محلّية للحكومة الإتحادية وللشعب العراقي وبيان سلامة نيّتها عندما أجرت “الإستفتاء”، وذلك لإبطال المخاوف التي إنتابت القادة السياسيين الإتحاديين والشعب العراقي وتشكيك الجميع من الغاية في إجراءه.
وبعد أن تمّ نشر نص البيان في معظم وسائل الإعلام والمواقع الكترونية وتداولته معظم المواقع الإعلامية العراقية (بإيجابية) لحرصها على عدم وصول الأمر بين أبناء الشعب الواحد الى عودة الإقتتال الذي لم تندمل جراحاته بعد وترجمته بعناوين مفرحة ربما لم (يتنبّه) فيها من تناقلَ الخبر على ما جاء بين سطور هذا البيان من التفاف على ما يجب أن يكون عليه لنزع فتيل الحرب وفسرتّه على أنه “إستجابة” من حكومة الإقليم لنداءات المجتمع الدولي ومنظماته بوجوب العمل بمواد الدستور العراقي وتأييد قرار المحكمة الإتحادية العليا بوحدة الأراضي العراقية الملزم للجميع.
ومرة أخرى يثبت المكتب السياسي للحزب الشيوعي (الذي لا أستطيع تسميته العراقي) قصر نظر وتفكير أعضاءه بتسرعهم في إصدارهم تصريح يرحّبون فيه ببيان حكومة الإقليم دون التدقيق لما جاء فيه وكأنهم يعملون لصالح من يسعون للإنفصال وتقسيم العراق ويعتبرون أنفسهم (ممثلين) لهم في بغداد أو لمجرّد محاولة إثبات وجودهم على الساحة العراقية!!، وهذه هي مشكلة البعض من قياديي هذا الحزب الذين لا ينظرون الى كامل الصورة وليس لديهم بعد نظر أبعد من عدّة أمتار عن أقدامهم والتي أوصلتهم الى الكوارث بجماهيرهم الذين وثقوا بهم!!، وكان آخرها بتحالفهم بما أطلقوا عليه (الجبهة الوطنية والقومية التقدمية) مع النظام السابق والتي بيّنت الوقائع مدى سطحية تفكيرهم ليقعوا في فخّها الذي نال منهم مقتلا.
الرابط أدناه لتصريح هذا الحزب في جريدته “طريق الشغب” وليس “طريق الشعب” وعلى صفحتها الأولى ليوم الرابع عشر من تشرين الثاني/2017!!، لأن طريق الشعب هو طريق الهوية الوطنية العراقية وليس طريق تقسيم العراق بمبرر “حق الشعوب في تقرير مصيرها”.
http://www.ankawa.com/forum/index.php?topic=858696.0
وفيما يلي نص الرد الرسمي لحكومة الإقليم على قرار المحكمة الإتحادية العليا الخاص بوحدة العراق:
“بطلب من الأمين العام لمجلس الوزراء الاتحادي في 2017/11/5، أصدرت المحكمة الإتحادية العليا بتاريخ 2017/11/6 قرارها المرقم (122/اتحادية 2017) حول تفسير المادة الأولى من الدستور العراقي والتي تنص على أن (جمهورية العراق دولة اتحادية واحدة مستقلة، ذات سيادة كاملة، نظام الحكم فيها جمهوري نيابي (برلماني) ديمقرطي، وهذا الدستور ضامن لوحدة العراق).
تأكيداً لإلتزام إقليم كوردستان دوماً بالبحث عن حل الخلافات بين السلطات الاتحادية والإقليم بطرق دستورية وقانونية، وإنطلاقاً من موقعنا المعروف المتمثل بالترحيبب بجميع المبادرات بهذا الإتجاه وفي مقدمتها مبادرة آية الله العظمى السيد السيستاني، وبعض الشخصيات العراقية، والدول الصديقة للشعب العراقي حول العودة الى الدستور العراقي لحل الخلافات، ومن هذا المنطلق، نحترم تفسير المحكمة الإتحادية العليا للمادة الأولى من الدستور، وفي نفس الوقت نؤكد إيماننا بأن يكون ذلك أساساً للبدء بحوار وطني شامل لحل الخلافات عن طريق تطبيق جميع المواد الدستورية بأكملها بما يضمن حماية الحقوق والسلطات والإختصاصات الواردة في الدستور بإعتبارها السبيل الوحيد لضمان وحدة العراق المشار إليه في المادة الأولى من الدستور”.
حكومة إقليم كوردستان
2017/11/14
الرابط أدناه لنص البيان والأراء التي تم تفسير ما ورد فيه من خلال إختلاف وجهات النظر للمحللين والمتابعين:
https://kitabat.com/news/%d9%83%d8%b1%d8%af%d8%b3%d8%aa%d8%a7%d9%86-%d8%aa%d8%b3%d8%aa%d8%ac%d9%8a%d8%a8-%d9%84%d9%88%d8%a7%d8%ad%d8%af-%d9%85%d9%86-%d8%b4%d8%b1%d9%88%d8%b7-%d8%a8%d8%ba%d8%af%d8%a7%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%ab/
كذلك الرابط:
http://www.ishtartv.com/viewarticle,78018.html
كذلك الرابط:
http://www.ankawa.com/forum/index.php?topic=858719.0
ولو دققنا قليلاً فيما ورد أعلاه من نقاط وطروحات مهمة لإستنتجنا ما يلي:
أولا: إصرار حكومة الإقليم على التعنت والمراوغة ربما لكسب الوقت في محاولاتها لتغيير بعض المواقف الدولية المهمة والرافضة أساساً للإستفتاء ومراهنتها بآخر ورقة تلعبها في هذا المجال، وهذا الأمر يبدو واضحاً من الرابط الأول أعلاه وعلى ذمة الخبر من خلال مطالبة بعثة الأمم المتحدة في العراق “يونامي” لحكومة الإقليم بالإعلان بشكل واضح وصريح لا يقبل الشك والجدل عن: (إعتراف وتأييد حكومة الإقليم لقرار المحكمة الإتحادية وتأكيدها من جديد التزامها الكامل ببنود الدستور)، وهنا علينا التوقف قليلاً لتفسير هذه المطالبة الأممية والسؤال: هل أن بعثة الأمم المتحدة قد أعيتها الوسائل واللقاءات الثنائية الدبلوماسية مع حكومة الإقليم حتى تخرج بتصريح (تحث) فيه حكومة الإقليم على الإعلان الصريح لما ورد أعلاه وعدم المماطلة أو التسويف لتجاوز الأزمة التي ربما ستأخذ منحى آخر لا يُحمد عقباه.
ثانياً: لو دققنا ببيان أو رد حكومة الإقليم لوجدنا في مضمونه إعترافها بتعنتها وعدم رغبتها فيما مضى بتطبيق بنود الدستور العراقي وذلك من خلال ذكرها في البيان ترحيبها لمساعي رجال الدين وبعض الشخصيات العراقية والدول الصديقة للشعب العراقي حول العودة الى الدستور العراقي لحل الخلافات!!، طيب لماذا كل هذه (المساعي) إذا لم يكن هنالك تعنّت وكانت هنالك النيّة الحقيقية من الطرفين في إحترام الدستور العراقي وبنوده؟!!، وحيثُ أنّ المادة الأولى في الدستور بشأن وحدة العراق والتي هي موضوع الجدل وأساس المشكلة واضحة جداً!!، وأنّ تلك المساعي تصلح فقط في حال رفض أو تنعت أحد الطرفين في العودة الى الدستور العراقي بشأنها!!، فأي من الطرفين ليس لديه القناعة بهذه المادة أو لديه تفسير آخر لها؟؟!!، وما هو التفسير الآخر لها ليكون هنالك جدل ومساعي بين الطرفين لكي يتم التقارب بوجهات النظر بينهما؟؟!!.
ثالثاً: هنالك تقاطع واضح وإختلاف بين ما ورد في البيان “من تأكيد والتزام حكومة الإقليم (بالبحث) عن حل الخلافات بطرق دستورية وقانونية (وبكل تأكيد كل الشعب العراقي يقدر ويثني على هذا الإلتزام إذا كان بحق مقصود وليس مناورة سياسية أو مجرّد كلام دبلوماسي)، وهنا يجب السؤال عن: هل هنالك داعي لتعقيد الأمور التي قد توصل الطرفين للمواجهة المسلحة وضياع الوقت الثمين بمحاولة (البحث) عن حل إستناداً الى الدستور والقانون؟؟!!، طيب لماذا (البحث) والتعب وهذان المطلبان قد تحققا فعلاً، فالفقرة الأولى من الدستور واضحة وصريحة بتأكيدها على وحدة العراق وعدم تجزئته وهذا يحقق ما نادى به البيان بالإلتزام (بالطرق الدستورية)، وما أكدته المحكمة الإتحادية العليا يحقق أيضاً ما طالب به البيان وأسماه (الطرق القانونية)، إذن أين هي المشكلة إذا كانا المطلبين لحكومة الإقليم قد تحققا؟؟!!، ولماذا هم لا يزالوا يطالبون (بالبحث)؟؟؟!!!.
رابعاً: أراد البيان بعد كل تلك المقدمات أن يمرر جملة في غاية الأهمية ختم فيها سطوره الأخيرة وحيثُ إعتقَدَ من صاغها على أنها ستكون كافية لذر الرماد في العيون بذكره: ” نحترم تفسير المحكمة الإتحادية العليا للمادة الأولى من الدستور”.
ولنتوقف عند هذه الجملة (الضبابية) التي ربما من وضَعَها يعتبر نفسه (أذكى) من ملايين أبناء الشعب بقادتهم ومحلليهم السياسيين ومثقفيه بمراوغته التي تضرّه قبل غيره لأنها تؤكد على عدم صفاء النيّات وهنالك أهداف وخطط مبيّتة في السعي الى الإنفصال!!، ولنأخذ المعنى الإيجابي لها أولاً ونفترض فلربما تعني: أنّ حكومة الإقليم تحترم تفسير المحكمة الإتحادية للمادة الأولى و(تؤيد) هذا التفسير وستعمل على الإلتزام به ـ ـ ـ أو نفترض المعنى السلبي الذي يعطي إنطباع: مِن أنّ حكومة الإقليم تحترم تفسير المحكمة الإتحادية للمادة الأولى من الدستور وهذا التفسير أو الرأي (لا تؤيده) حكومة الإقليم وغير ملزمة بتطبيقه ولكنها من باب الكياسة والدبلوماسية ولتجاوز الظرف الصعب التي هي فيه فقد أقرّت بإحترامه دون الإعتراف به نصاً وبشكل لا يقبل التأويل والجدل من رفضها لقرار المحكمة الإتحادية!!، أي بمعنى آخر أنا أحترم تفسيرك ورأيك لكنني لا أويده، وهذا في تقديري جوهر ما حاول البيان تمريره في تلك الجملة عسى أن يغفل عنها الجانب الحكومي ويعتبرها نوع من (الإستجابة) لقرار المحكمة!!!.
إنّ هذه المراوغات السياسية لا تخدم الإقليم ومكوناته أولاً لأنهم بكل تأكيد ينتظرون ساعة الفرج قبل غيرهم من أبناء الشعب العراقي للحالة الصعبة التي يعيشونها، ولقد لاحظنا ما جرى نتيجة التعنت والإصرار على إجراء “الإستفتاء”، وأملنا جميعاً أن تكون جميع الأطراف جادة بالعودة الى الدستور والقوانين النافدة لتجاوز الأزمة حقناً للدماء التي هي دماء عراقية من كلا الطرفين، خاصة وأن الطرفين كانا فاعلين في صياغة مواد الدستور العراقي، وقد شارك بصياغته خمسة عشر عضواً كممثلين لكافة الأحزاب الكردية!!، وأن يتساوى جميع العراقيين بالحقوق والواجبات تحت سقف الدستور، وأن يُنعم الجميع بالأمن والسلام، وكفانا حروب وإقتتال، فخيرات العراق كافية لجميع أبنائه فيما لو تمّ إستثمارها بشكل جيد.