لتكتمل بنية الدولة؛ يجب أنسياب سلوكيات تأسيسها وفق النظام المتبع. فأي عملية عرقلة أو مماطلة, تعد نكوص وتراجع عن أسس التعامل الصالح لبناء النظام..سيما الديمقراطيات الفتية, فهي عرضة لأنتهاكات قد تضعها على حافة الأنهيار والعودة إلى رؤية تتقاطع مع روح العصر المتطلّعة لعالم مستقر.
قانون الأنتخابات مطروح -منذ فترة طويلة- على جدول أعمال مجلس النواب العراقي لإقراره, ولا جديد سوى التحليلات والبيانات والمؤتمرات, ولعل أغلب الكتل المنظوية تحت قبة البرلمان متوائمة في الموقف تجاه عدم الإقرار. قوانين أخرى أقل أهمية تعارضت بها أهواء الكتل, فراجت على إثرها خلافات طفت على السطح وكانت سبباً لبعض الأزمات. الغريب في هذا القانون أن الجميع يعطي أسباب سائبة ولا يحدد أصل المشكلة أو التعطيل, إذ ليس هناك متهم واضح الملامح, برغم أهميته.
يبدو إن ألتقاء مصالح الخصوم يجعلها صامتة, ولو على حساب الدولة وترسيخ تجربتها الجديدة. لا شيء يسمو فوق غاياتهم, فالمماطلة تعد إنعكاس لإستشعار خطر الرحيل عن مواقع أدمنها أصحابها..!
المجمعون على قرار التأجيل, هم أطراف الأزمة, وهذا يؤشر على أفتقارهم لأي رؤية أو مشروع يمكن أن تبنى عليه مرتكزات الدولة الحقيقية..معطيات المرحلة حسمت الموقف, فالرئيس المالكي, لم يعد واثقاً من وجوده على رأس أي حكومة مقبلة, بالرغم من رفض المحكمة الأتحادية لتحديد ولاية رئيس مجلس الوزراء, غير إن المخاض الأنتخابي السابق -مجالس المحافظات- والذي يعد بروفة حاسمة, أظهر تفوق لمنافسيه داخل البيت الشيعي, بينما حل “حزب السلطة” في المركز الأخير. الساحة السنية لا تقل أرباكاً إن لم نقل أنها مأزومة, فالنجيفي الذي يمثل الثقل الأكبر ليس بمقدوره الصمود أو إقناع الخصوم بالبقاء على رأس البرلمان, وما نتائج الأنتخابات في الموصل والأنبار بغائبة عن الحسابات, حيث إنها أظهرت تراجعاً ملحوظاً لكل القوى السنية, وهذا يعد عامل مشترك يجمعه بنائب رئيس الوزراء صالح المطلك. البيت الكردي, وللمرة الأولى ينتفض على نفسه ويغير أصول اللعبة..الكرد لا يقدمون لبغداد بهذه التشكيلة المفككة, وستكون أولوياتهم ترتيب الوضع الداخلي قبل الشروع بأي أنتخابات. التيار الصدري, لم يحصل على مقاعده البرلمانية ووزاراته الخدمية بفضل الشعبية أو القاعدة التي يمتلكها؛ أنما كانت نتاج لعملية التحالف مع قوى أخرى, ولعل مجالس المحافظات كشفت الثقل الصدري الذي لا يقوى على الحصول على ثلاثين مقعداً برلمانياً في أحسن الحالات.
الخارطة أعلاه تمثل الثقل العددي في البرلمان العراقي, وهي البيئة التي أفرزت حكومة السيد المالكي, وبرغم التقاطعات والخلافات الكبيرة فيما بين تلك القوى, لكنها تبقى قوى حكومية توافقت في أربيل عام 2010.
لذا أقول: أن الأتفاق على تأجيل الأنتخابات أكبر من الأختلاف على قانونها. لعل الصيغة التي يطرح بها التأجيل مختلفة أو لا تناغم أهداف هذا الطرف أو ذاك, غير إن المهم هو التأجيل. قد يمرر (قانون الأنتخابات) بسبب إصرار القوى الفاعلة والمرجعيات الدينية والإرادة الشعبية, غير إن السيناريوهات التي ستطرح أكثر تعقيداً؛ بغية الإبقاء على التوليفة السياسية الحالية.
فالأنتخابات المقبلة -إن حصلت بموعدها- ستغير الكابينة الحكومية والبرلمانية بنسبة كبيرة؛ ويتبعها تبدّل مراكز التأثير السياسي بما ينسجم مع أصوات التهدئة؛ ومن يأتي لن يركن لرفع شعارات الطائفة المظلومة أو المهمشة أو المستهدفة, ولا قومية تعلو على صوت الوطن. قد يكون الطريق شائك, لكنَّ الشعب صار يعرف ما يريد, ولن تكون الخطب الشعاراتية بديل ممكن عن العمل الميداني..!