23 ديسمبر، 2024 8:55 ص

هل أنتخاب رئيسي نهاية مشوار حكم الملالي ؟

هل أنتخاب رئيسي نهاية مشوار حكم الملالي ؟

العملية الانتخابية التي جرت في إيران في التاسع عشر من شهر حزيران الماضي ، والتي أفرزت عن فوز المرشح المحافظ أبراهيم رئيسي رئيس السلطة القضائية ، لاتختلف عن سابقاتها من حيث الشكل والسياق والنتيجة المعروفة سلفا” ، ومعظم الايرانيين كانوا يتوقعون فوز ( رئيسي ) لانه مرشح المرشد علي خامنئي ، لذلك كانت نسبة المشاركة في الانتخابات متدنية جدا وصلت الى أقل من ٤٠ ٪‏ ، بالرغم من حملات الحكومة ورجال الدين الدعائية للانتخابات ودعوات المرشد للأيرانيين بضرورة المشاركة فيها ، وكعادته في تحويل الانتباه ، أتهم المرشد الى ما سماها وسائل أعلام معادية لايران تعمل الى تشويش أذهان المواطنين وجرهم لمقاطعة الانتخابات ، وكذلك تدخل فتاوى الحلال والحرام ، حيث أفتى والد زوجة ( رئيسي ) ( آية الله أحمد علم الهدى ) وهو ممثل الخامنئي في مدينة مشهد ثاني أكبر المدن الايرانية ، التي جاءت بالنص ( أن ترك الانتخابات بمثابة ترك الاسلام والذين يقولون أننا لم نشارك في الانتخابات أنهم ليسوا مسلمين ) . بالاضافة الى الدور الذي أضطلع به مجلس صيانة الدستور المكون من ١٢ عضوا غالبيتهم من المحافظين ، الذي يشرف على الانتخابات والنظر في أهلية المرشحين ، بأستبعاد المنافسين بذرائع شتى خاصة من التيار الاصلاحي ، ومن نحو ٦٠٠ مرشح صادق مجلس صيانة الدستور على سبعة مرشحين خمسة منهم من المحافظين وأثنان من الإصلاحيين . بعدها انخفض العدد الى أربعة انسحب اثنان منهم من المتشددين لصالح ( رئيسي ) .
يرى كثير من المراقبين أن العملية الانتخابية جاءت وفق مقاسات ( أبراهيم رئيسي ) خاصة مع أستبعاد مرشحين بارزين منهم ( علي لاريجاني ) الرئيس السابق لمجلس الشورى الايراني ، كذلك يَرَوْن في ( رئيسي ) الذي كان أحد تلاميذ خامنئي وينحدر من نفس مدينته ( مشهد ) ، كذلك يرشحون أنه سيكون خليفة لخامنئي البالغ من العمر ٨١ عاما” وحالته الصحية غير المستقرة ، ولتشابه الحاله مع وصول خامنئي لمنصب المرشد عام ١٩٨٩ حيث كان يشغل منصب رئيس الجمهورية في حينه .
لكن المهم بعد إنتخاب أو فرض ( رئيسي ) رئيسا” لايران هل هو أختيار ناجح للمرشد خامنئي في ظل الظروف الداخلية الاقتصادية والاجتماعية المتردية ، وحالة الغليان التي يشهدها الشارع الايراني والاضطرابات المستمرة يقابلها تعنت وأستبداد حكومي وقمع واعتقالات واحكام أعدام جائرة طالت حتى النساء ، وخارجيا ” الضغوطات والعقوبات السياسية والاقتصادية والعزلة الدولية التي تمر بها ؟
على الصعيد الداخلي ، أن أنتخاب ( رئيسي ) ولد كثيرا”من المشاكل وخلق العديد من الصراعات في الوسط السياسي بين مايسمى تيار الإصلاحيين وتيار المحافظين الذي ينتمي اليه ( رئيسي ) ، حيث يشعر الإصلاحيين بالغبن جراء أجراءات مجلس صيانة الدستور بأستبعاد مرشحيهم للانتخابات ، وكان تبادل الاتهامات بالخيانة والعمالة للامريكان واضحا” أثناء المناظرة بين مرشحي الطرفين ، حيث أشار جليا” محسن رضائي رئيس الحرس الثوري سابقا” وهو من المتشددين ، أذا أصبحت رئيسا” سأفرض حظرا” على ( همتي ) وهو من الإصلاحيين وعدد اخر من المسؤولين في حكومة روحاني وأمنعهم من مغادرة البلاد . كذلك يمتد التذمر الى تيار ناشئ يسمى الشعبويين الذي يتبناه ( محمود أحمدي نجاد ) ولعل بدايات التناحر والصراع السياسي قد بدأ عندما كشف الرئيس ( محمود أحمدي نجاد ) عن ، أن شقيق زوجة خامنئي ، كان يخطط للسفر الى أسرائيل ، وتم أتخاذ الإجراءات لمنعه .
كذلك أن الأوضاع الاقتصادية المتأزمة والركود التضخمي الناجم عن العقوبات الدولية والبطالة وانخفاض قيمة التومان ، تحتاج الى شخصية هادئة ومرنه ذات أفق أقتصادي ستراتيجي تستطيع أيجاد الحلول لهذه المشاكل المتفاقمة وتستخدم الوسائل المتاحة لاصلاح المنظومة الاقتصادية المتهالكة وهذه ما لاتتوفر في شخصية ( رئيسي ) الشخصية الدينية المتشددة .
ومن ناحية أخرى فأن الفجوة بين فئات الشعب الايراني والحكومة ستتسع ، لان الشعب الايراني يعرف الدور الكبير الذي لعبه ( رئيسي ) في مجازر عام ١٩٨٨ عندما كان قاضيا ضمن لجنة السجناء السياسيين ، حيث أعدم أكثر من ثلاثون الف أيراني وغيب الالاف أيضا” ، وهذه الاعدامات ترقى الى مستوى الجرائم ضد الانسانية وهي من أبشع الجرائم في القانون الدولي حسب ماجاء في تقارير منظمة هيومن رايتس ووتش ، وقد تم تقديم عدد من الدعاوى في المحاكم الأوربية ضد ( رئيسي ) من قبل عدد من الايرانيين المعارضين .
كذلك الامر سينعكس على العلاقة المتأزمة بين الحكومة والأقليات داخل أيران مثل العرب والبلوش والآذريين ، كون ( رئيسي ) جاء من منظومة العقلية الفارسية العنصرية المتغطرسة المتمثّلة بالتيار الديني المتشدد والتي دأبت على قمع الأقليات وسلب حقوقهم المشروعة وإلحاق الاذى بمصالحهم .
أما على الصعيد الخارجي فأن ( رئيسي ) ليس له الخبرة السياسية والحنكة الدبلوماسية لاصلاح علاقات طهران المتأزمة مع محيطها الإقليمي وعلاقاتها مع أمريكا والدول الغربية ، كونه شخصية دينية متزمته ، بل ستشهد علاقات أيران الخارجية توترات وأزمات وصراعات جديدة .
أن أختيار ( رئيسي ) لرئاسة السلطة التنفيذية في أيران يمثل الغطرسة والعنجهية الفارسية الساعية الى حرق مراحل التمدد والتدخل والهيمنه على دول الجوار ضمن ما يسمى تصدير الثورة وتحقيق مشروع ولاية الفقيه ، وهذا من المؤكد سيؤدي الى تفاقم أزمات الشارع الايراني الذي يشهد انتفاضات مستمرة بسبب هذه التدخلات الخارجية التي أنعكست على وضع المواطن الايراني الاقتصادي والاجتماعي والذي ضاق ذرعا” بسياسات رجال الدين وتسلطهم وفسادهم وأكاذيبهم .