18 ديسمبر، 2024 5:59 م

هل أمسك نتنياهو بخيط الضوء الذي في آخر النفق ؟

هل أمسك نتنياهو بخيط الضوء الذي في آخر النفق ؟

المعضلة الأساسية والكبرى التي تواجهها دولة الاحتلال إسرائيل هي كيفيةاستعادة العطف الشعبي العالمي المتشظي والمتراجع, وترميم سمعتها  بعداحداث غزة.

يبدو أن رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو بدأ بتعديل خططه إزاءمأزق غزة بعد ما أدت إليه همجيته في التطهير العرقي والابادة الجماعيةوالعزل العنصري والتجويع للمدنيينالخ, في سقوط سمعة دولة الاحتلالفي الوحل وتسببها في تحول نوعي مؤثر في نظرة العالم وشعوبه لهاووسمها بالعنصرية والفاشية بعد أن كانت تحظى بصورة الضحية الدائمةالمحاطة بالضواري المعادية للدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الاوسط.

الأخبار عن سحب الجيش الإسرائيلي لبعض وحداته من شمال غزة, عدّهمحللون, مؤشراً على التوجه نحو حل سياسي, لاسيما بعدما أشيع عنضغوط أميركية على نتنياهو للتريث في عملية الاكتساح, مع استمرار الدعمبمنظومات سلاح مدمرة.

وجهة نظري المتواضعة أن غرض الانسحاب هو افتعال حربٍ أوسع !

الجرح الغائر والكرامة المجروحة لدى نتنياهو من 7 اكتوبر تقول لهبالاستمرار بالثأرولكن فشل سياسة البطش في تحقيق انتصاراتحقيقية ( غير الإبادة الجماعية للمدنيين ) وخاصة في ملف القضاء علىحماس وتحرير الرهائن لديها. ثم انقسامات الداخل الإسرائيلي وصولاً إلىانقلاب الرأي العام العالمي وتململ حلفاءه من الامريكان والاوربيين من هولأعماله المنافية لكل الأنظمة والقوانين الدولية التي وضعوها بعد الحرب العالميةالثانية, وحرجهم من تساؤلات شعوبهم عن سبب دلالهم المفرط لدولة الاحتلالوالتغاضي عن انتهاكاتها لهذه الأنظمة والقوانين وطبقوها بشدة ضد روسيا!

المأزق الأخلاقي الذي تعيشه إسرائيل  هو في الحقيقة مأزق كل من يؤيدأفعالها, لذا قد يكونوا قد فكروا جماعياً بمخرج من هذا الوضع العصيبوالإمساك بخيط الضوء آخر النفق, بتحويل جبهة القتال إلى منطقة اخرى, فكان قصف مقر القنصلية الإيرانية في دمشق.

ورغم ما يكتنف قصف القنصلية الايرانية في دمشق من خرق للقوانينالدبلوماسية المقرة عالمياً, لكونه اعتداء صارخا على سيادة دولة اخرى, يعطي الحق لهذه الدولة الرد عسكرياً (وهو عز الطلب وما يتمنونه) فإنه علىما يبدو المخرج الوحيد للخروج من المأزق وتحويل الصراع مع إيران المنبوذةمن دول وشعوب الإقليم ودول العالم إلى حرب مفتوحة, واستعادة العطفالشعبي الدولي, بالتالي, مع إسرائيل في مواجهة هذه الدولة المارقة.

ولو حدث الصدام فإنه سيكون فرصة لإسرائيل وامريكا لإنهاء المشروعالنووي الايراني وتدمير آلتها العسكرية و تقويض نفوذها واذرعها بالمنطقة.

لقد فهم نتنياهو ومسانديه اللعبة جيداً, ولن تنفع إيران كل تصريحات قادتهابعدم وجود علاقة بينها وأحداث 7 أكتوبر بغزةفقد تكفيهم مشاركةذراعيها, حزب الله اللبناني والحوثيين في اليمن في عمليات المشاغلةالعسكرية دليلاً على تورطهاوسواء ما تدعيه صحيحاً او كاذباً, فإنراسها مطلوب بكل الاحوال.

التريث الإيراني يضع حكامها فيDilemma” حرج كبير. احتمالانأيسرهما مرّ, فلا هم راغبون بحرب مدمرة. ولا تستطيع الدولة الاسلاميةالإيرانية التنازل عن حقها في الرد على انتهاك سيادتها في القنصلية, علىالأقل أدبياً أمام شعبها وأمام شعوب المنطقة وهي التي صدعت بتحريرالقدس منذ قيامها عام 1979 وأسست جيشاً خاصاً لهذا الغرض.

إطلاق العنان لحرب شاملة لن يكون أفضل الحلول !

فإشعال أتون حرب في المنطقة سوف لن يعود بفائدة على اسرائيل في رفعأسهمها عالمياً بالحرب, فما تهدم من سمعتها لا يمكن ترميمه,…و لأنها ليستالمتضرر الأكبر من تدخلات إيران وأذرعها, بل شعوب المنطقة, فلم يلحقهاسوى طراطيش بعض التصريحات النارية وادعاءات الاستعداد للحرب. لذافإن محاربتها لن يأت بمكسب إن لم يؤد إلى محق دولة الكيان نفسها, رغموقوف الامريكان بظهرها, بسبب الفرق في المساحة الجغرافية لكل منالبلدين وتعدد الجبهات, ولأن أسباب التشبث بالأرض لدى الاسرائيليينأضعف مما هي لدى الإيرانيين, الذين ليس من أرض تأويهم غير أرضبلادهم حتى لو دمرت, بينما الإسرائيليون سوف لن يتمسكوا بالبقاء فيمساحة أرض صغيرة مدمرة, وبديل عودتهم إلى بلدانهم الأصلية متوفر.

أورد أحد المحللين السياسيين على قناة Sky News عربية بأن الإيرانيينقدموا عرضاً للامريكان فحواه تنازل إيران عن الرد مقابل ايقاف الهجوم علىغزة ولكنه رُفض.

ربما فهم الامريكان مدى الفائدة التي كانت ستجنيها إيران من قبول هذاالعرض. فهي ستتلافى تدمير بلادها ومفاعلاتها النووية وترسانتهاالصاروخية من جانب إضافة إلى ظهورها بصورة المنقذ لأهالي غزة منالبطش الاسرائيلي من جانبٍ آخر.

الحل الافضل للجانبين وخاصة لإيران للحفاظ على ماء وجهها هو الرد عنطريق أذرعها في المنطقة, فهي تجنبهما خوض غمار حرب مدمرة بأقلالخسائر للجانبين, فحتى لو ردت اسرائيل على تعرضٍ ما بواسطتهم فإنالضحايا لن يكونوا إيرانيين وان ارض الصدام ليست ايرانية, وكلٌ بماأنجزوه فرحون.

السلام الدائم هو ما تسعى إليه شعوب المنطقة بحل القضية الفلسطينية علىأساس الدولة الديمقراطية الموحدة التي تجمع العرب واليهود, على غراروعلى نفس الأسس التي قامت عليها جمهورية جنوب افريقيا.