الثورة هي ظاهرة اجتماعية تقوم بها فئة شعبية هدفها تغيير الواقع الراهن الى واقع أفضل أي أن الثورة هي التغيير الكامل.
أذن مايقودنا الى الثورة هو استبداد الطغاة وظلمهم ، وإن مبعث الاستبداد هو غفلة الشعب وسباته العميق فالشعب الذي لا يحاسب من يحكموه أشد الحساب ولايراقبهم ولايتابعهم في كل صغيرة وكبيرة ،فأن حكامه سيستبدون حتماً ، لأن الحاكم يمسك بالمال والسلطة والقوة ، بل اصبح اليوم يملك حصانة مدى الحياة ، يسرق ينهب يفعل مايشاء دون أن يحاسبه احد لأن القوانين صممت اساسا لحماية الفاسدين وان اي حكومة ، حتى ولو كانت عادلة ، تكون بمنأي عن المحاسبة ، فانها تصبح فاسدة ، ويصنع فيها الطغاة ويكبرون ويبنونا امبراطورياتهم على اكتاف الفقراء.
وللاسف فان السواد الاعظم من الشعب العراقي ساكت غير مهتم ، ماله يسرق وثروته الوطنية تبدد واقتصاده يدمر وهذا كله معناه بقاء الفاسدين في السلطة ، وأستمرار المعاناة والوضع المأساوي في الخدمات والعدالة الأجتماعية.
ولأضافة الشرعية على عمليات الفساد والسرقة والنهب أبتدع الفاسدون مؤسسات حكومية لحمايتهم ولتكون غطاءا لهم مثل هيئة النزاهة ومكاتب المفتش العام ومكافحة الفساد والمسائلة والعدالة ولذر الرماد في العيون.
ولن نتعجب اذا قلنا ان الدستور الذي كتبه السياسيون يضمن ان عضو البرلمان لن يسجن حتى اذا سرق موازنة العراق بالكامل !!! أو أفسد او اختلس او سرق عقارات الدولة وغير جنسها وسجلها بأسمه ، كما حدث ويحدث مع مايقارب من اكثر من عشرة الاف عقار من عقارات الدوله ، تمت سرقتها وتغيير جنسها الى افراد متنفذون تابعون لاحزاب وكتل سياسية وبشكل ممنهج . وان هذه العقارات تقدر بملايين الدولارات وان من قاموا بسرقتها لازالوا حتى الان يسرقون وبذات الطريقة وامام انظار هيئة النزاهة ومكاتب المفتش العام ، وأن البرلماني الفاسد لن ترفع حصانته ويبقى يتقاضى راتبا تقاعديا مدى الحياة حتى لو كان برلمانيا ليوم واحد فقط .
صحيفة الديلي ميل البريطانية الشهيرة قالت في تقرير لها قبل سنة ان مجلس النواب العراقي هو افسد مؤسسة عرفها التاريخ بسبب كثرة الأموال والامتيازات التي يحصل عليها البرلماني من دون أن يقدم أي شيء أو خدمة تهم البلد ، وأشارت إلى البرلماني العراقي الذي يحال على التقاعد يحصل على راتبه كاملا تقريبا ، فيما وصفت قانون التقاعد بانه قانون فاسد صمم لامتصاص ثروة العراق ونهب أمواله في الوقت الذي يعاني فيه اغلبية الشعب العراقي من صعوبة العيش .
وقالت الصحيفة ، أن البرلمانيين العراقيين يحصلون على أكثر من ألف دولار للعمل لمدة عشرين دقيقة فقط من دون أن يضعوا قانوناً واحداً يهم البلد إضافة إلى حصولهم على امتيازات تقدر بـ 90,000 ألف دولار وراتب قدره 22،500 ألف دولار شهريا ما يعني تقاضيهم راتبا أكبر من عضو الكونغرس الأمريكي.
هذا عدا اموال اخرى يحصلون عليها عن طريق اللجان الاقتصادية وعقود الوزارات المالية التي تذهب تخصيصاتها الى جيوبهم وجيوب حاشيتهم.
ان نظام الحكم في العراق أساسا صمم لكي لايختار الشعب من يحكمه بل انه صمم لكي تقوم الاحزاب والكيانات السياسية فقط باختيار من تريدهم رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان ورئيس الوزراء وفق صفقات تعقد في قصور المنطقة الخضراء يتقاسمون فيها الغنائم ، وأن الرئاسات الثلاث أنما هي بالواقع المغانم الثلاث ، والتي تعود بفائدتها الى الاحزاب والكتل السياسية ، اما في العلن فهم يقولون انما هي الديمقراطية .
الديمقراطية تتيح لهم التحكم بصرف الموازنة الهائلة حتى سميت اموالها بالموازنة الانفجارية لانها تميزت بمليارات ضخمة ووصفت موازنات العراق لسنة واحدة بانها تعادل موازنات ست دول عربية بضمنها مصر ، وفعلا في هذا العام اقر البرلمان موزانة تقدر ب 120 مليار دولار، وفي عام 2014 اقر البرلمان العراقي اكبر موازنة في تاريخ العراق ب 140 مليار دولار يوم كان سعر برميل النفط 160 دولار للبرميل الواحد وسماها بيان جبر صولاغ وزيرا للمالية آنذاك بالموازنة الانفجارية ، في هذه الموازنة بالذات لم يبنى ولا مشروع واحد لم يبلط شارع لم تبنى مدرسة او مستشفى او جامعة ولم تبنى مؤسسات تعليمية او صحية او مشاريع اقتصادية ، والكارثة انه في هذه السنة تحديدا تم احتلال ثلث مساحة العراق والسيطره عليه بالعرض والطول من قبل داعش ، والجيش الذي صرفت عليه مليارات الدولارات انما كان بالواقع جيشا فضائيا وهميا ، وكان طبيعيا ان يرمي الجنود والضباط اسلحتهم وبدلتهم العسكريه ويهربون من ارض الميدان امام بضعة مئات من الدواعش،
وحينما نتكلم عن الاموال المسروقة فنحن لن نتحدث عن ملايين الدولارات بل نحن امام ارقام فلكية نهبت بشكل ممنهج منذ خمسة عشر عاما.
تقول صحيفة الواشنطن بوست ان العراق صرف مايعادل الف وثلاثمة مليار دولار منذ سقوط النظام السابق وحتى الان وان هذا المبلغ يكفي لبناء بنى تحتية لخمسة دول بحجم مساحة وسكان العراق ، وأن الكهرباء فقط صرف عليها اكثر من ثمانية وعشرون مليار دولار وهو مايكفي لبناء ثمانية وعشرون محطة بسعة الف ميكا واط للمحطة الواحدة اي مايعادل حاجة العراق لثلاثة أضعاف مايحتاجه الان.!!! والكهرباء لازالت كما هي عليه لم تبنى فيها ولامحطة كهربائية ضخمه ، أذن اين ذهبت كل هذه الأموال؟!!!
ان سكوت الشعوب هو من يصنع الطغاة ويبقيهم في السلطة، فالشعب هو المسؤول الأول والأخير عن طغيان الطغاة واستبداد المستبدين. وبناءً عليه ، فالشعب العراقي ليس له الحق ان يلوم نفسه عن ما حدث ويحدث له ، لانه سكت على استبداد كل الحكومات الفاسدة التي تعاقبت على نهب امواله ومازالت تحكم العراق الآن.
ان سكوت الشعب عن كل سياسي ومفسد معمم او مدني أو عسكري ، أنما يجعله هو الجاني والضحية ، هو الظالم والمظلوم ، والأوضاع التي نمر بها الان والخدمات التي تتردى وستتردى كل يوم هي عقاب طبيعي مستَحَق بسبب سكوت الغالبية ، بما فيها التهاون في المطالبة بحقوقنا والدفاع عنها .
في أعتقادي أن أسوأ الشعوب هي شعوب يحكمها الشر فترضى ، ويذبح فيها الشرفاء كل يوم وتضحك ، ويسود فيها الصغار وتسكت ، وان الظلم والفساد يحيا في السكوت ، وان العبيد هم من يصنعون الطغاة ، وان الحرية لاتوهب مجانا لأنها ليست صدقة بل تؤخذ بالقوة ، وأن الشعب الذي يقبل بالمسؤول الفاسد او يدافع عن المجرم والمزور شعب لايستحق الحياة ،
لذلك نحن بحاجة الى ثورة اخلاقية شاملة وعندما نقول اخلاقية ، لانها تمسنا جميعا ، تمس قيمنا ، تمس وجودنا ، فلاقيمة للدين والانسانية بدون الاخلاق دون ان ينتفض بوجه الباطل والظلم والفساد ، ولاقيمة للانسانية بدون التغيير والاصلاح ، والشعب الذي ينشد التغيير عليه ان يصنع التغيير ، لأن لكل ظالم نهاية وان الفاسدين لابد وانهم زائلون وان امبراطوريات السلب والنهب التي بنوها من دم الفقراء ستنهار لانها أوهن من عش العنكبوت.
وكما قال الزعيم الراحل غاندي :
أنك حينما تقوم بثورة ضد الطغاة فانهم في البداية يتجاهلونك ثم يسخرون منك ثم يحاربونك ثم تنتصر .