رسالة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ، خلال لقاءه على هامش منتدى سانكت بطرسبورغ الاقتصادي ، مع عدد من رؤساء وسائل الاعلام الغربية والآسيوية ، حول إمكانية أن تتعامل روسيا بمثل الخطوات الغربية والأمريكية والبريطانية ، بشأن تزويد ” المهرج ” الرئيس الاوكراني فلاديمير زيلينسكي ، بأسلحة بعيدة المدى ، لضرب العمق الروسي ، وتلميح بوتين الى انهم يفكرون في حقيقة أنه إذا كان هناك من يرى ، أنه من الممكن توريد مثل هذه الأسلحة إلى منطقة قتال لضرب الأراضي الروسية ، وخلق مشاكل لها، فلماذا لا يكون لها الحق في توريد أسلحتها من نفس الفئة إلى تلك المناطق من العالم ، حيث سيتم تنفيذ الضربات على أهداف حساسة لتلك الدول التي تفعل ذلك فيما يتعلق بروسيا ، ويبدو ان هذه الرسالة قد وصلت وأصابت ليس فقط رأس الرئيس بايدن ، وانما ” طفله ” أيضا ماكرون .
رسالة بوتين ، أجبرت “العجوز ” بايدن ، على كشف ما كان يكنه منذ ( 40 ) عاما ، وما يحمله من تفكير مسموم تجاه الرئيس الروسي ، فخلال مقابلة حصرية مع شبكة ABC” ” الإخبارية، في مقبرة نورماندي الأمريكية، في الذكرى الثمانين ليوم الإنزال ، قال “إن نظيره الروسي فلاديمير بوتين يثير قلقه منذ 40 عاما” ، واطلق هذا العجوز العنان للسانه ، لينطق بكلمات بعيدة كل البعد عن اللياقة الدبلوماسية التي يجب ان يتمتع بها كل رجل يحترم نفسه ، كي يحترمه الاخرون ، ووصف الرئيس الروسي “ بأنه رجل غير محترم، وإنه دكتاتور، وهو يكافح من أجل التأكد من أنه يحافظ على تماسك بلاده مع الاستمرار في هذا الهجوم” ، والقول هذا يذكرنا بالمثل الشعبي ، ” ان اتتك مذمتي من “عجوز خرف ” ، فهي الشهادة لي بأني كامل ” .
ولم تكن هذه الرسالة الوحيدة التي اطلقها الرئيس الروسي ، للولايات المتحدة وحلفائها ، بل هناك رسائل أخرى ، هي الأخرى أوقعت المسئولين الفرنسيين في ” ارتباك ” وتناقضات في تصريحاتهم ، وقال رئيس الوزراء الفرنسي غابرييل أتال، بأن بلاده لا تنوي إرسال قوات عسكرية إلى أوكرانيا، ومؤكدا عدم وجود خطط من هذا القبيل، مخالفا بذلك تصريحات سابقة لرئيسه ماكرون، الذي وكما قالت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا ، لم يحقق ذاته في السياسة ، حتى اعلن عن استعداده للسباحة في نهر السين رغم معدلات التلوث
، ولم يجرأ كل من (شارل) ديغول أو (جاك) شيراك أو (فرانسوا) ميتيران ، على القيام بعمل مماثل !! .
بوتين ذًكَرَ الغرب بأن روسيا ستستخدم جميع الوسائل المتاحة إذا كان هناك شيء يهدد سلامتها وسيادتها ، والاشارة إلى أن الغرب لا ينبغي أن يتعامل مع مثل هذه الأمور بشكل غير مسؤول، والتحذير من إن مثل هذه الإجراءات ستكون نهائية، فقد وصلت بالفعل إلى أعلى درجة من التدهور، لكنها ستدمر العلاقات الدولية بالكامل ، وستقوض الأمن الدولي ، وترى روسيا في النهاية، أن هذه الدول تنجذب إلى حرب ضد بلاده ، ومشاركتها المباشرة في الحرب ضد الاتحاد الروسي، لذا فإن لموسكو بالحق في الاحتفاظ بحقها في التصرف بطريقة مماثلة ،ولكن بشكل عام، هذا هو الطريق المؤدي إلى مشاكل خطيرة للغاية.
وأشار بوتين الى أن الأسلحة النووية التكتيكية الروسية هي 70-75 كيلوطن ، لكنه دعا ، الى عدم الانقياد ليس فقط إلى الاستخدام، بل حتى إلى التهديد بالاستخدام ، ولسبب ما، يعتقد الغرب أن روسيا لن تستخدم هذا أبدا ، والتحذير من انه لايمكن أن تأخذ هذه الأمور باستخفاف وسطحية ، وشدد رئيس الدولة على “أننا بحاجة إلى التعامل مع الأمر بشكل احترافي“، والتأكيد أن موسكو تفكر في رد غير متكافئ على الغرب لتزويد أوكرانيا بأسلحة بعيدة المدى ، وإن لدى روسيا مثل هذا الحق ، لأن مثل هذه الإمدادات يمكن اعتبارها مشاركة مباشرة في الصراع.
ان تصريحات الغرب كمن يأكل مع العميان ، فإنهم يصرحون بأنهم لا يريدون إثارة روسيا ، ولا يريدون صراع مباشر معها ، في ذات الوقت يزودون أوكرانيا بصواريخ ATACMS ، والتي يبلغ مداها كيلومتر ، لضرب العمق الروسي ، ولكن كيف يتم استخدامها وكيف يتم نقلها؟ ، فالعسكريون الأوكران لا يستطيع أفرادهم القيام بكل شيء بمفردهم ، وشن ضربات بهذا الصاروخ ، لانهم ببساطة غير قادرين من الناحية التكنولوجية على القيام بذلك ، ولأجل القيام بذلك، يجب أن يكون لديهم استطلاع عبر الأقمار الصناعية، ثم بناءً على استطلاع الأقمار الصناعية هذا (وهذا هو استطلاع الأقمار الصناعية الأمريكية)، يتم تشكيل مهمة طيران، ثم أدخالها في نظام الصواريخ ، والجندي الذي بجانبها يفعل ذلك تلقائيًا – فهو يضغط على الأزرار ، ربما لا يعرف حتى ما سيحدث بعد ذلك ، وكل هذه العمليات يقوم بها البنتاغون ، واختيار الهدف وتحديده والذي يمثل الأولوية والضروري بالنسبة لهم ، وكذلك الحال بالنسبة للبريطانيين مع Storm Shadow ، ومثال على ذلك عندما فكر جنود الجيش الألماني في ضرب جسر القرم ، أو مهاجمة أهداف أخرى، فكروا بأنفسهم ، ولم يفكر أحد لهم، هذا ما كانوا سيفعلونه ، والأمر نفسه ينطبق على المتخصصين الفرنسيين ، وهذا ما يفعله المتخصصون الغربيون.
وما تحدث به بوتين عن الأوضاع في الشرق الأوسط ، وبالأخص الاحداث في غزة ، تبدو هي الاخرى قد افقدت الرئيس الأمريكي رشده ، وهو يسمع تلك الانتقادات التي لم يتجرأ احد من قبل بوتين ان يتحدث بها ، ، والتأكيد ان الرد الإسرائيلي على هجوم “حماس” لا يشبه الحرب ، بل يشبه الإبادة الجماعية لأهالي غزة ، وانه يجب حل الصراع في الشرق الأوسط من خلال إنشاء دولة فلسطينية والاعتراف بها ، محملا الولايات المتحدة ، مسئولية ما يحدث في منطقة الشرق الأوسط ، وهو نتيجة لسياسة واشنطن التي احتكرت الملف الإسرائيلي الفلسطيني ودفعت جانبا كل الأدوات التي تم خلقها سابقا للمحاولات الجماعية لحل هذه القضية المعقدة .
إن حل المشكلة بمساعدة نوع ما من المساعدات المادية أمر غير واعد أيضًا، من وجهة نظر الرئيس الروسي ، و أوضح إنه من غير المرجح أن يكون من الممكن استبدال حل القضايا السياسية المتعلقة بمصير الشعب الفلسطيني بمنظور تاريخي ، من خلال توزيع نوع من الجزر الاقتصادية ، فالقضايا السياسية تحتاج إلى حل ، وما هو الشيء الرئيسي؟ وهذا يعني إنشاء دولتين، كما كان منصوصًا عليه في أصل قرار الأمم المتحدة ، وهو إنشاء دولتين على هذه الأرض – دولة فلسطينية ودولة يهودية ، لذلك، بدون حل القضايا الرئيسية، يعتقد بوتين أنه من الصعب حل المشكلة على أساس موضوعها.
ان الموقف الروسي وكما شرحه بوتين بهذا المعنى مبدئي، وهو لا يخضع لأي ظرف راهن ، فقد اعترفت بلاده منذ فترة طويلة بالدولة الفلسطينية على هذا النحو، منذ العهد السوفييتي ، كما ان روسيا على استعداد للقيام بكل ما يعتمد عليها من أجل حل الوضع، مع الأخذ في الاعتبار، من بين أمور أخرى، علاقاتها التي تطورت مع “إسرائيل“على مدى العقود الماضية.
ان الخطابات والقرارات الغربية في هذه الفترة هي قرارات قسرية ، وترجع إلى حقيقة أن أوكرانيا تعاني من هزيمة عسكرية ، وإنهم بحسب الباحث السياسي دميتري سوسلوف ، يخشون بشدة أن تقترب روسيا على الأقل من خاركوف ، ففي خضم الانتخابات الرئاسية، هذا غير مرغوب فيه بالنسبة لإدارة بايدن ، كما وان الأمر لا يتعلق فقط بالانتخابات الرئاسية ، فلو نظرنا إلى الخريطة، لرأينا أن منطقة خاركوف تشكل عمقًا روسيًا ، وإذا وقعت هذه المنطقة تحت سيطرة موسكو، فإن الأهمية الاستراتيجية لأوكرانيا المتبقية بالنسبة للولايات المتحدة ستنخفض بشكل حاد ، ونتيجة لذلك، قامت واشنطن بتعديل فهمها للمخاطر غير المقبولة ، ولكن في الوقت نفسه، يعتقد الأميركيون بأن ضرب المناطق الحدودية لن يؤدي إلى صدام عسكري مباشر بين روسيا وحلف شمال الأطلسي، وبالتالي إلى حرب نووية.
اذن الغرب تلقى إشارة الرئيس فلاديمير بوتين ، بشأن رد موسكو على تزويد كييف بالأسلحة لشن هجمات على الأراضي الروسية ، وسمعوا (ما يجب سماعه)، وهذا ربما يكون أحد أهم التصريحات التي أدلى بها الرئيس الروسي ، كونه واضح ، ولا لبس فيه ، ويمكن قراءته بسهولة من قبل الجميع، وبالنظر إلى مدى انتشاره حتى الآن في وسائل الإعلام العالمية ، وفي شبكات المعلومات الرئيسية، فمن الواضح أنه سيخضع الآن لدراسة حثيثة وفقا لقول المتحدث باسم الكريملين ديميتري بيسكوف .