ما بين فساد الطقمة السياسية الممسكة بزمام الحكم في العراق، وفشلها في إدارة البلد، وبين أمواج الصراعات الدولية بين الغرب وروسيا في ميدان الشرق الأوسط، والصراعات الإقليمية بين السعودية والكيان الصهيوني وسوريا وإيران، يقع العراق فريسة للفتن، والشعب العراقي المظلوم حطباً لنيرانها!
بعد أن ضاق الشعب العراقي ذرعاً بفساد بعض السياسيين، وفشل بعض آخر منهم، خرج الشعب ليمارس حقه الدستوري في التظاهر ضد الفساد والمفسدين، وإن وصف المتظاهرون بنعوت عديدة، من انهم جهلة ومتخلفون وعابثون؛ كبعض أتباع الأحزاب والتيارات الإسلامية، وبعض اتهم بالانحلال والإلحاد؛ وأولئك اتباع التيار المدني!
في الواقع إن ثبتت بعض تلك التهم على بعض المتظاهرين، فإن مرد الجهل الى الحكومات التي تعاقبت على حكم العراق، ومرد الالحاد الى فشل الأحزاب والتيارات الإسلامية التي حكمت البلاد، في فترة ما بعد سقوط النظام البعثي البغيض والى يومنا هذا. فلا الجاهل تم تثقيفه، ولا المدنيون تم إقناعهم بعدالة الإسلاميين، لكي يؤمنوا بالإسلام، إذ انشغل السياسيون بنهب ثروات البلاد وتركوا كل ذلك وراء ظهورهم.
بالأمس خرجت تظاهرات في عموم مدن العراق، غلب عليها طابع أنصار السيد مقتدى الصدر، وانضم اليها بعض المبرقعين من اتباع الصرخي وغيره، ممن يضمرون الشر للبلد، وقد تعرض المتظاهرون لمقرات الأحزاب والتيارات السياسية الأخرى، كالفضيلة وبدر والمجلس الأعلى وغيرهم، ومع شديد الأسف تم التعرض الى صور الشهداء والعلماء الأعلام، ولما يمثله هؤلاء من قدسية وقيم سامية راسخة في نفوس وضمائر العراقيين، فقد كان ذلك مما لا ينبغي ان يحصل، حتى ان السيد مقتدى الصدر شجب تلك الأفعال، ويأمل الجميع ان لا تتكرر.
في الوقت ذاته ينبغي عدم الغفلة عن الموضوع الأساسي، وهو الفساد المستشري في سائر مفاصل الدولة، والذي مازال ساريا رغم التقشف، فالفساد هو أس الفتن والمصائب التي ابتلي بها البلد.يراد لمقتدى الصدر وتياره أن يحملوا التهمة نيابة عن الجميع، وأن يتم غض النظر عن التدخلات الغربية والصهيوسعودية، وغض البصر عن فساد السياسيين ونهبهم لثروات البلد، وان ينشغل الشعب بخلافات داخلية وقضايا جزئية، عن قضاياه الرئيسية والمصيرية، والكثير من الشبهات تحف بالمسألة، فمقتدى الصدر معتكف في إيران، والحشد الشعبي تقوده إيران متفضلة، ومقتدى ممتعض من بعض قيادات الحشد الشعبي، ويسمي فصائلها بالمليشيات القذرة!
من جانب آخر فإن التظاهرات التي جرت، واستهدفت مقرات الأحزاب والتيارات الإسلامية، سيما في مدن الجنوب والفرات الأوسط، تزامنت مع اجتماع وزراء الدفاع لدول إيران وروسيا وسوريا، وذلك كله يجعلنا نعود الى تساؤلنا الأول؛ هل ما يجري من فتن داخلية، هي بتأثير عوامل دولية، أم إقليمية، أم داخلية، أم ثمة عوامل مشتركة بين هذه وتلك؟!بعد ذلك ليس من المعقول، الحديث عن شطط رجل واحد وجهل أنصاره، وتحميلهم نتائج ما يحصل، واختزال كل الأحداث الجارية بجميع خلفياتها!قديما شبهت العرب مثيري الفتنة بـ “محراث التنور” وغضت الطرف عن الحطب وحمّاليه، والنيران وموقديها، ومن يمسك زمام المحراث!