المعلوم ضمن السياق التأريخي والاجتماعي إن هناك مؤثرات ينشد إليها الإنسان ويتأثر بها وتتباين قوة التأثير من جهة المؤثر كما تختلف درجة الاستجابة من جهة المؤثر عليه، وهذا يعود إلى أسباب تتعلق بالمؤثر والمتأثر ربما نتعرض في مقال آخر.
إن ظاهرة التأثير الديني أو الكارزماتي يفترض إن تكون وفق مايستوجب ووفق ماهو معقول ومقبول،
بمعنى إن المؤثر يفترض تملكه مؤهلات تمكنه من فرض التأثير والتغير سواءً تعلقت هذه المؤهلات بالجانب الشخصي أو الجانب الرسالي،
فلو تأملنا سيرة الرسول الاعظم (ص) لوجدناه
لا يخرج من هذا الواقع المفترض فهو كما نقلت إلينا كتب السّير والتأريخ كان يملك من المؤهلات والصفات الكارزماتية التي تأخذ بإعناق الرجال ومنها قوة شخصيته وهيبته، وسمو أخلاقه، ونبوغه وعلميته، وكذلك سحر بيانه وحكمته فضلاً عن غيرها،
ونتيجة لذلك كان (ص) بإستطاعته إن يقنع المقابل بمجرد الكلام بل باستطاعته إن ينقله من حالة التمرد والرفض إلى حالة الندم والبكاء،
وهذا ما ظهر واضحاً وجلياً في عدة مواقف منها على سبيل الذكر ( خطبته التي خطبها في الأنصار يوم اعتراضهم على توزيع غنائم غزوة حنين)،
إلى جانب ذلك المؤهلات الرسالية المتمثلة بمعجزاته الكثيرة ومنها معجزة الإسلام الخالدة ( القرآن الكريم ) الذي تحدى الأنس والجن بأجمعهم إن يأتوا ولو بسورة واحدة من مثله،
فلا غرْوَ إن يحرص بعض الصحابة على إن لا يفوته شيء من أحاديث النبي (ص) أو مجالسه أو حركاته وسكناته وما إلى ذلك،
مثل هذا الحرص والتعلق لايمكن إن يلفت النظر أو يثير الإنتباه لأن الأمر واقع ضمن دائرة المستوجب والمعقول والمقبول،
فلاحرج ولا إشكال عندما نرى الاهتمام بمن يستحق حتى وإن كان هناك فيه شيء من المبالغة،
أما بالنسبة لما ظهر لدينا بعد سقوط النظام من التفافات واصطفافات حول شخصيات سياسية أو دينية هي فارغة تماماً ولا تحمل أدنى مؤهل من علم أو ثقافة، أو بيان أو كارزمية أو أي مستوجب استقطابي آخر (إن جاز التعبير ) سواءً في الجانب الشخصي أو الرسالي، أو على الأقل مقابل من أجر مادي أو معنوي،
وليت الأمر يقف عن حد الالتفاف الاصطفاف بل رأيناه تجاوز مراحل الانصهار والذوبان والاستسلام والانقياد الأعمى أو ما هو أشد،
حيث يقوم بعض الاتباع بإلتزام تصرفات أشبه بالهلوسة والجنون والخروج عن مديات العقلانية من أجل إن يعكس ولائه وانقياده لمثل هذه الشخصيات غير المستحقة،
مما يلزم أن توضع مثل هذه الظواهر على طاولة الاجتماعيين لبحثها ودراستها ومعرفة أسبابها لأنها تقع ضمن المخالفة الواضحة لما جبل عليه الإنسان من حب الخير لنفسه قبل غيرها و ايضاً حب العوض الذي يقدم إليه مقابل ما يقدمه من جهد أو ولاء أو متابعة… أو مشاكل ذلك، وإن كان على مستوى الراحة النفسية البحتة.