23 ديسمبر، 2024 4:48 ص

هكذا هو نموذج الدولة لدى الدكتور عادل عبدالمهدي

هكذا هو نموذج الدولة لدى الدكتور عادل عبدالمهدي

ان أبرز العقبات التي ستواجه الحكومة الجديدة برئاسة عادل عبدالمهدي هي الوضع الاقتصادي الهش والفساد المستشري في دوائر الدولة حتى أصبح مؤسسة خطيرة وعقبة كؤودا أمام أي محاولة للإصلاح.كما أن تركة الحكومات السابقة من ملفات إعادة الإعمار وحقوق الإنسان والنازحين والمعتقلين وغياب الخدمات تشكل كلها تحديات حقيقية لا بد من التعاطي معها بإيجابية وسرعة كما ان لوبيات سياسية واقتصادية تسعى الى الهيمنة ونبذ الاخرين ستقف له بالمرصاد, ان هذه المنظومة بكل اطيافها ونماذجها تحاول اليوم اعاقة عمل الدكتور عبدالمهدي لانها تخشى المبادئ الرصينة والعمل الخلاق والطاقة الارادية الحرة , فهناك جهات في الداخل والخارج لايروق لها عودة العراق الى دوره التاريخي او اعادة تفعيل المرتكزات القيمية والاخلاقية لبناء الدولة الحضارية العابرة للمصالح الانية او الذاتية .
سيما وان افكار رئيس الحكومة الجديد مستوحاة من عمله الدؤوب وافكاره النيرة حيث ان الرجل يسعى الى بناء دولة ومجتمع من خلال المرتكزات والقيم والمبادئ التي بشر بها في كتاباته منذ مدة طويلة وهي تتلخص بالاتي .
1- قبل التفكير بالاسماء يجب التفكير بالمبادىء. واعتقد ان اول مبدأ هو التقيد بالدستور بغض النظر عن موقفنا الشخصي منه، تأييداً او معارضة، كلياً او جزئياً. فالدستور هو العقد المنظم لمجمل النظام. ودون التقيد به نصاً وروحاً فاننا سنترك شؤوننا للاجتهادات الخاصة الصحيحة والخاطئة، فنسقط في تقييم الشخصيات والاعمال دون “مسطرة” وموازين ومعايير حقيقية، وسنعتمد على الاجتهادات المتقلبة، والسماعيات والظنيات، ليس الا.
2- قبل التفكير بالوزراء يجب التفكير بقوانين الوزارات والهيئات ومهامها واهدافها. فالوزارات والهيئات والمؤسسات تنظمها قوانين نافذة تحدد مهمة وواجبات الوزير والمسؤولين وعلاقتهم بالشعب، وبالجهات العليا وبقية المؤسسات.
3- لابد ان توكل للمفتش العام بعد تجديد كامل لمفهوم المفتش ودوره شكلاً وموضوعاً او لهيئة جديدة مهمتها وضع مقاييس معيارية معروفة في العالم والدول، ونظرياً في العراق مع تحديثها وجعلها عملية وممكنة، من حيث المهام، ومواصفات الاعمال، والنظم وانماط العمل لنرتقي ببلدنا الى المقاييس العالمية المعروفة..
4- الاولوية هي المواطن لا المسؤول.. والفقير قبل الغني.. والاحياء والمحافظات المحرومة قبل الميسورة.. وتوفير المتطلبات العاجلة كالماء والكهرباء والصحة والتعليم والبطالة والأمن والسكن قبل غيرها، ليتسنى ان تستقيم بقية الامور. فاموال النفط يجب ان ينظر اليها كلها كاموال الشعب تستخدم، وفق الدستور والقانون، لتطوير حياته ونشاطاته وأمنه ومستقبله.
5- امور تحقق الاهداف: أ) قوى أمنية وقضائية محلية صغيرة، لكنها قوية وفاعلة في كل محافظة لفرض القانون، شبيهة بقوات “مكافحة الارهاب” في الملف الامني.. مدربة تدريباً عالياً، ليس عسكرياً وأمنياً فقط، بل ايضاً سلوكياً وقضائياً وقانونياً وفي الحقوق الخاصة والعامة.. هدفها –مع بقية قوى الامن- فرض النظام ونصرة المواطنين وتطبيق العدل، وايقاف الفوضى الجارية. فلا احد فوق القانون.. لا المسؤول والمتنفذ، ولا القوى السياسية او المسلحة.. ولا الدول الاجنبية.. ولا بعض الممارسات العشائرية.. ولا الجماعات المسلحة خارج الدولة.. ب) تفعيل مجلس الخدمة الاتحادي لجعله القناة الوحيدة للتعينات، وليس الوزير او الحزب او غيرهما.. وتوحيد عمل القطاع الخاص والعام ليتمتع القطاع الخاص بنفس حقوق التقاعد والضمان وتوزيع الاراضي والمنافع، الخ.. ج) الانطلاق وليس الكبح.. ولابد من ادراج تعطيل الاعمال وعرقلة الاستثمار والتعاقد والمشاريع كجزة من الشبكة المفسدة. لذلك لابد من هيئة تستطيع وفق القانون الخروج من الروتين والتباطوء والتعطيل الذي يعرقل المشاريع، وبالتالي التقدم والانجاز والعمالة. فالفساد هو فساد المنظومة قبل فساد الاشخاص.. بدون اصلاح المنظومة سنستمر يومياً بانتاج مفسدين اكثر ممن نحاربهم.. سنكتشف بعد حين ان اجراءات النزاهة والرقابة ومحاربة الفساد، سينطبق عليها المثل الموصلي “نخيط من هوني، تنفتق من هونيك”.. د) ان يعطي المسؤول الاول وبقية المسؤولين الاولوية للتواجد في مواقع العمل والتنفيذ لا في السفر والاحتفالات الحزبية والمقابلات التلفزيونية.. وان تكون ارتباطات اطراف السلطة التنفيذية خصوصاً رئيس الوزراء والوزراء قريبة ميدانياً وفي التشريعات والمداولات مع السلطة التشريعية ورئاسة الجمهورية والسلطة القضائية لتكون للدولة فلسفة مرجعية ومناهج تطبيقية واحدة ومنسجمة.
6- بجانب الرشد في نشاطات الدولة وموازناتها ونفقاتها ومشاريعها، لابد ان نجعل الاستثمار سواء الخاص او العام، الوطني او الاجنبي قضية رئيسية، يرعاها ويحميها ويقدرها الجميع، إن اردنا الخروج من النظام الريعي والارتقاء بالبلاد، والتقدم بمستوى معيشة المواطنين ومحاربة البطالة والفقر ومظاهر التخلف. وان نصحح التشريعات والتعليمات والثقافات والسلوكيات بما يخدم هذه الاهداف وليس بالضد منها. وبعض ذلك: أ) انهاء النظم الورقية واللجوء للنظم الالكترونية، اينما امكن وكان ذلك مفيداً.. ب) انهاء اقتصاد العملة الورقي Cash Economy لمصلحة النظام المصرفي والرمزي.. ج) امتصاص الاموال خارج الدورة والبلاد، لتصبح ادخارات، وبالتالي استثمارات نافعة.. د) احياء وتفعيل الاصول والموجودات والحسابات الميتة والاراضي والمعامل والانهار والبحيرات والصحارى والجبال والثروات الطبيعية والبشرية والطاقة والمياه وموقع البلاد وامكانياتها الدينية والحضارية والادبية والفنية والابداعات والافكار والمبادرات والاختراعات والاكتشافات، وجعلها منافع وحقوق تسمح بانتشال البلاد من عقمها واعتمادها الاحادي على النفط.
7- هذه مجرد اسس ومداخل ضرورية تسمح بالارتقاء وحل بقية المشاكل الكبرى تدريجياً بما يسمح فعلاً بعودة الحيوية للمجتمع والمواطن والدولة. فهناك كلام كثير في المؤسسة الامنية والقضائية والتشريعية والاقتصاد والخدمات وفي العملية الانتخابية والاحزاب وفي المحافظات وبالنسبة للاقليم وعلاقاتنا بالدول، وهذه –وغيرها- يجب طرحها في مكانها ووقتها المناسبين.
8- كلمة اخيرة.. يقول الدكتور عادل عبدالمهدي (قد يرى البعض ان بلادنا ما زالت في مرحلة الثورة جزئياً او كلياً.. وهذه فرضية تتطلب النقاش والاتفاق، لكي لا نقع في تناقض بين خطاب عام يتكلم عن الدستور والقوانين وبناء الدولة والمجتمع، وممارسات يومية تعتمد اساليب المعارضة والثورة) .
هذه الخلاصة مهمة جدا في بناء الدول وتحقيق التنمية والانطلاق نحو العمل الجاد والبناء وان ماتقدمة الحكومة هو العمل المخلص الجاد للتالق والازدهار وليس مجرد الكلام العابر والفلسفة الفارغة الا من مصطلحات هشة لاتقدم ولاتؤخر .