كثيرةٌ هي المحن التي مرّت بالعراق والعراقيين ، وكثيرة هي الوجوه التي تسلطت وتربعت على عرش العراق ، واذا ما احتسبنا الموضوع على اساس ميزان الخسارة والربح فإن الشعب العراقي دائما هو الخاسر مقابل الحكام ، الا النادر جدا ، ففي الوقت الذي كان العراقيون يتأملون من خلال تغيير النظام السابق ان يتحسن حالهم البائس وتزدهر معيشتهم بعد ان ملئت الحكومة الجديدة بكل اطيافها واحزابها بالوعود والاحلام والتي لم يتحقق منها شيء يذكر حتى بعد عشر سنين من التغيير ، بل على العكس من ذلك ازدادت المحن والكوارث وازداد الفقر والعوز والحرمان والبطالة ، والخدمات بشتى نواحيها انحدرت نحو الأسوأ ، فضلا عن الموت المجاني اليومي الذي حصد ارواح مئات الآلاف وخلّف الملايين من الايتام والارامل .
كل هذا والحكومة عاجزة عن فعل شيء ، بل ثبت ان لها اليد الطولى في افتعال كل الازمات والجرائم !
فيوما بعد آخر تتضح معالم سياسة السلطة الحاكمة والتي تستند على افتعال الازمات والسرقة والنهب المنظم واشغال الناس بتتابع الازمات والفتن ناهيك عن الصراعات ، فالعراق اليوم يعيش ضمن مسلسل من النزاعات والفضائح التي بدأت ولن تنتهي فالمصطلحات المتداولة الان بين الاحزاب المتناحرة فيما بينها باتت معروفة ( فساد ، رشوة ، نهب ، قتل ، عمالة ، الخ …) وهم جميعا مشمولون بتلك الجرائم لان الواقع يحكي كون تلك الجرائم هي موجودة فعلا وهناك من يرتكبها بشكل ممنهج بل اصبحت هذه السلوكيات هي سياسة مستمرة ،
والغريب ان كل احزاب السلطة بدأت تفضح خصومها وتكشفت اوراق كثيرة تقشعر لها الابدان ، فالكل يعادي الآخر والكل يفضح الكل بعد ان استنفذوا اوراقهم الحزبية والانتخابية فلجؤا الى اشعال الفتن والحروب واللعب بالوتر القومي والطائفي مرة اخرى وكلها اوراق لعب انتخابية لا علاقة لها بمصلحة البلد لا من قريب ولا من بعيد ، فكثيرة هي الملفات التي افتضح امرها ولم تحسم ، فأين ملفات الوزارات واين ذهبت المليارات ! واين المتلاعبين بمال العام ؟
لماذا لم نسمع الى الان عن محاسبة مسؤول فاسد واحد ؟ لماذا تسجل ضد مجهول حالها حال اصحاب الكواتم والمفخخات والعبوات ؟؟؟؟
والادهى والامر انه حتى الاجهزة الرقابية هي اخرى ينخرها الفساد كون تلك الاجهزة خاضعة لارادة الاحزاب التي تحكم البلد وليس من مصلحة اي حزب ان ينكشف امر احد مسؤوليها في الدولة لانه يمس سمعة الحزاب او التيار الذي ينتمي اليه المسؤول (الفاسد) وبالتالي فنحن نعيش في دوامة وحلقة مفرغة لا تنتهي عند حد معين .
وقد يقول قائل ان في العراق قضاء ومحاكم هي التي ستؤدي الغرض وتحاسب كل هؤلاء المفسدين والسراق في الحكومة . وهذا امر منطقي ولكن ليس في العراق لان القضاء العراقي قد تم تسييسه والسيطرة عليه بشكل علني عن طريق رأس هرم السلطة (المالكي) لكي يتمكن بدوره من تحريك اي ملف يهدد به الاخرين من خصومه السياسيين وقتما شاء وحتى يتمكن من السيطرة على اي ملف فساد يطال حزبه واتباعه والذين حشرهم في كل وزارة ودائرة .
وبالتالي لم يعد في العراق اي مكان يخلوا من الفساد والرشوة والمحسوبية ، ليتحول الى حكومة مافيات تفوق تلك المافيات التي نسمع عنها في ايطاليا ودول امريكا الجنوبية ولتتحول بغداد والعراق عموما الى اسوأ مكان يعيش فيه الناس وليبقى الحال على ما هو عليه ويستمر الحال بالعراقيين من سيء الى اسوأ ما داموا يسيئون الاختيار ويفضلون السكوت على حالهم البائس .