22 ديسمبر، 2024 11:51 م

هكذا أرادوك يا شطر بيت لم يكتمل !!!

هكذا أرادوك يا شطر بيت لم يكتمل !!!

( أيا بعث لا ….. ) ، سأل الأستاذ الدكتور ( محمد جابر شعابث ) أبن عمه رشيد قائلا ، متى تنهي شطر البيت لقصيدتك المنتظرة يا رشيد ؟ ، أجاب رشيد كلما وضعت قلمي بيدي لأكمل ، ينتابني الغثيان والدوار والصداع فأهملها ، ترى من الشجاع فينا وأكمل ما بدأه رشيد ؟!!!!.
صدر عن دار أخبار الخليج للطباعة والنشر في مملكة البحرين رواية هكذا أرادوك يا شطر بيت لم يكتمل للدكتور ( محمد جابر علي شعابث ) ، والرواية تقع ب 143 صفحة من الحجم المتوسط وبورق أسمر ، والرواية تتحدث عن مدرس للغة العربية طورد كثيرا من دوائر الأمن والحزب المجتث .
     ( رشيد عبد الجليل علي شعابث الزبيدي ) حلي من محلة ( الجامعين ) ، ولادته بداية أربعينات القرن الماضي ، ذكي حاذق منذ نشأته وطفولته وصباه وشبابه ، يقول رشيد لست ذكيا ومتفوقا كما تظنون ولكني فقت الأغبياء فبُرّزت على الآخرين ، وهذه فلسفته ورؤيته الخاصة  ، فقد والدته وهو لم يدخل المدرسة ، ورويدا رويدا بدأت أمه المتوفاة لا تأتيه في منامه إلا بين الحين والآخر ، حتى نسي ملامح وجهها ،  وتزوج والده بأخت زوجته ( خالته ) ، له شقيق أكبر منه ببضع سنين ( جعفر ) ،كان والدهما يصحبهما لمحل عمله ( النجارة ) ، في السوق الكبير للحلة الفيحاء قريبا من مسجد ( الكطانه ) ، ولكن متى يصحبهما الى العمل ؟ ، يصحبهما للعمل قبل آذان الفجر ، طفل هكذا عمر لابد أن يضجر من هذا الخروج المبكر فيقول ( أمشي نائما أو نائما أمشي )  ، ساهم والده كثيرا بصنع هذه الشخصية الغرائبية ، وكيف كانت تلك المساهمة غير المقصودة ؟ ، الوالد أمي لا يحسن القراءة والكتابة ، متوسط الحالة المالية ،  لا يأكل أن لم يعمل ، عمله بسيط  ( نجار ) يصنع ( الجاون ، وكاروك الأطفال – المهد – ، وربد المسحاة ) ، والحلة آنذاك لم تكن إلا هذا السوق المسمى السوق الكبير ، تزوج الوالد بثلاث نساء لا حبا في الزواج والإنجاب  ولكن زوجته الأولى أم رشيد توفيت ، فتزوج بأختها لرعاية الأطفال ، دخل الصف الأول ابتدائي وسرعان ما سرّع له لينتقل لصف أعلى ومن ثم أعلى ، ويقول الكثير ممن عرفوه أن رشيد كان ميالا للأفكار اليسارية والماركسية ولكنه لم ينتمي لحزب ما ، وبجانب ذلك كان محبا ومغرما بقوميته العربية ودينه ومذهبه ، ولحبه هذا عشق العربية منذ نعومة أظفاره ،أحب وأعجب ( رشيد ) كثيرا بشخصية الزعيم الراحل ( عبد الكريم قاسم ) ، أجتاز المتوسطة والإعدادية بتفوق وقبل بكلية الشريعة ، وهنا تبدأ محطة الصراع الأول مع الذات ، المحاضرات التي يعطونها له تختلف كثيرا عن المفاهيم التي آمن وأقتنع بها ، ومع ذلك كان من المتفوقين ومن الطلاب الذين يشار لهم ، ومنحه أستاذه ( د مصطفى جواد )رحمه الله  لقب شاعر الكلية ، ، رشيد جسم لا يحتمله عقله ، وعقل لا يحتمل أفكاره ، وأفكار ترفض الذل والخنوع وتريد أن تنشر ليستفاد منها ، فاضطربت عنده الرؤى ، في العطل الصيفية كان رشيد يعمل لتلبية متطلباته الشخصية من ملابس وكتب يضاف لما يمنحه له الوالد ، ولكن أي عمل يعمله رشيد ؟ ، فرشيد شخصية متفردة  يستنكر التعالي عليه من قبل الآخرين  ، استأجر عربة لبيع المرطبات ( الموطا ) ، يدفعها بعضلاته وقوته المشهودة ويذهب بها الى خارج المدينة فجرا ، ويعود بعد صلاة العشاء  بعد أن يبيع كل بضاعته ، عرف ( الجمجمه ) ، و ( العتايج ) ، و ضواحي ( النيل ) وغيرها من القرى المحيطة بالفيحاء الحلة  ، كل ذلك كي لا يراه أحد من المعارف والأقارب ويستهجن منه ذلك ، بعد أربع سنين تفوق على الجميع وعاد الى الحلة يحمل شهادته الجامعية ، دخل لمدرسته وبدأ الطلاب يلتفون حول أستاذهم لطريقته الحديثة والمسلية لإيصال المادة اللغوية لهم ، عصرا يذهب الى مقهى (  حسن علي ) في سوق العلاوي قرب مسجد الكطانه التي أحبها بل عشقها، وفي هذه المقهى يتواجد أصدقاء والده القدامى ، معارفه ، شباب من اليسار العراقي ، ولأن رشيد قد دلته بصيرته الثاقبة عن الأوضاع السياسية للبلد فقد بدأ يُصرّح هنا وهناك ، وفي صفه عن تلك الأوضاع ، ومعلوم أن صفوف الدراسة لا تخلوا من المتبرعين لنقل ما يدور للجهات المعنية ، ومعلوم أن المقاهي مرتع خصب لرجال الأمن ، يعرف رشيد ذلك ولكن رسالته التي يحملها تقول له عليك واجب الكشف والفضح لهكذا ساسة جوف ، لم يستمع لنصيحة والد أو عم أو أبن عم أو صديق ، عصر أحد الأيام ورشيد يجلس على أريكته بمقهى ( حسن علي ) وكثير حوله وهو يتحدث لهم عن العراق ومظلوميته حضر شرطيان سألا من ( رشيد ) ؟ ، صاح  عاليا أنا رشيد ، قالا تفضل معنا لمركز الشرطة ، قال لهم وبأي تهمة ؟ ، أجابا لا علم لنا وطلب منا هكذا ، نهض رشيد معهما ومد أحد الشرطة يده ليمسك يد رشيد ، جذب رشيد يده وصرخ بوجه الشرطي ( أتركني كلب ) ، سار أمامهما وكأنه هو من يقتادهما ، وصلوا لنهاية شارع العلاوي – السوق الكبير – انعطفوا يسارا صوب مديرية الشرطة ، مقابل أسواق ( الأورزدي ) حاليا ، مجرد دخوله لمركز الشرطة وإدخاله لغرفة  ( النذارة ) وهكذا تسمى وتعني غرفة الانتظار ، وموقعها يمين الباب الرئيسي للمديرية ، لم يكن رشيد مطلوبا للشرطة ولكنه كان بغية أمن بابل ، وهذان الشرطيان ما هما إلا مخبران سرّيان ، بعد دقائق دخل أربعة من رجال الأمن يحملون هراواتهم وانهالوا على رشيد ركلا وضربا بتلك الهراوات ، هل يُسلم صاحب الفكر والعنفوان الشبابي نفسه فريسة بهذا الشكل ، كلا ، أستطاع رشيد أن يصيب كل هؤلاء بجراح دامية ، وأحدهم كسر له رشيد يده ، والكثرة تغلب الشجعان العزل ، وهكذا سقط رشيد مغميا عليه في غرفة ( النذارة ) ، وهذا الشرطي الأمني المزعوم  هو ضابط أمن يرتدي ملابس مدنية تعرفه أسرة رشيد ، ولطالما أرسلوا لأهل الضابط من يسترضيهم وتقديم الدية لهم ولكنهم بعنجهية أمنية يرفضون  ، وبدأت المعاناة الحقيقة لرشيد ، خرج من التوقيف ليباشر عمله في مدرسته فوجد نفسه منقولا الى القرى والأرياف البعيدة ، وضابط الأمن لم يكف عن متابعة رشيد وجلوسه بمقهى ( الكطانه ) التي يعشقها ويعشق سوقها الكبير وناسها البسطاء ، وتكرر استدعاء رشيد ولأكثر من مرة  ، وقد يكون رشيد سببا بفقدانه ملاذه الوالد ،  أحد الأيام حضرت سيارة من الشرطة لمدرسة رشيد  ، وافق مدير المدرسة خوفا من الأمن أن يصحبوا رشيد معهم ، قال رشيد الى أين ؟ ، قالوا له الى المستشفى لأننا نظن أنك مريض ، لم ينفع معهم شئ ، أخذوه الى المستشفى وأجري فحص طبي صوري له ، قال له الطبيب أنك تحتاج لحقنة ، قال رشيد لا أشكوا شيئا دكتور ، قال الطبيب خذها من باب الاحتياط ، لم يصدق رشيد أن طبيبا يخون أمانته ويحنث بقسمه لذا أخذ الحقنة ، وأصبح طيعا سهل الانقياد ل( مفرزة )الأمن ، أمبولة ذات 2 سي سي  استطاعت أن تجعل رشيد الجبار ذو العضلات والقوام القوي الى حمل وديع يمتثل ليس لشرطي بل لطفل صغير ، ولكن الى أين ذهبوا برشيد هذه المرة ، أخذوه لبغداد التي لم يزرها منذ تخرجه ، اجتازت العجلة بهم بغداد لتتجه صوب طريق ديالى القديم ، هناك حيث مصحة الأمراض النفسية والعقلية ، لم يصدق مدير المستشفى أن هذا الرشيد مجنونا ، هز برأسه وأودعه ( قاووش ) 8 ، كيّف رشيد العيش بهذا السجن المحجر ، وفطن أن أغلب ( القاووش ) هم على شاكلته ، لم يصادق منهم  أحدا ألا شخصا مسيحيا أسمه ( بطرس ) ، أحب أحدهما  الآخر ، وكان بطرس يخفي تحت وسادته حبلا لنشر الغسيل ، يستعيره رشيد كلما غسل ملابسه ، زيارات متقطعة من أخيه جعفر وأبن عمه شوقي ود محمد ، سرعان ما تقلصت تلك الزيارات وانقطعت بسبب الأجر آت المعقدة ، بعد أربع سنوات وتيقن إدارة المستشفى أن رشيد أصبح مجنونا فعلا أفرج عنه ، وكانت مساعي العائلة سببا يضاف للإفراج عنه ، أدرك رشيد الموقف وأصبح كل شئ له جليا واضحا ، وبدأ مشوار ( البهللة ) والتسكع والصعلكة  بشوارع الحلة وأرصفتها وأزقتها ، ينام حيث تنتهي به قدماه ، وربما كان لرشيد مشوارا مهما له وهو الجلوس قبالة مقهاه التي أحب ، أو الجلوس على دكة مسجد ( الكطانه ) ، وسوق الهرج ، والجسر القديم  ، وأماكن أخرى ينتقيها بين الحين والآخر  ، ولم يكن جلوسه عبثيا بل كان يلقي محاضراته العربية وخطبه الدينية والسياسية ، البعض كان يتصوره مجنونا لطول لحيته ، وشعره الكث الطويل ، وملابسه المتسخة ، يحاول أحدهم أن يعطيه شيئا من المال فيرفض أيما رفض ، وويل لمن يفعلها معه ، الغريب أن رشيد كان يعتقد أن الأمن لا يلاحق المجانين ، وهذه حقيقة معروفة فالإنسان العاقل يطارد ، والمجنون تهمله دوائر الأمن ومقرات الحزب المجتث ، إلا مع رشيد فكان الرجل متابعا وهو عاقل ، وتحت أنظار الأمن والحزب الذي سبب بجنونه ، ورشيد مستمر على محاضراته والأمن مستمر بتوقيفه ، ويطول ويقصر ذلك التوقيف  وفقا لقناعة ضابط الأمن المكلف ، مرة أقنعه أخاه ( علي ) ليأخذه الى حمام ( المهدية ) ، استجاب رشيد لذلك الطلب ، أراد علي أن يقدم نصيحته لأخيه رشيد ولكن هيهات فالفرق بينهما لا يدركه علي ولا ندركه نحن الخانعون ، قال رشيد لعلي ( يا علاوي يا عزيزي عم تتحدث ، أنني في عالم غير عالمكم ، ولا أظن أنك ستفهم ذلك ، كنت وصلت أفاقا لا يصلها غير الطامحين التواقين للحقيقة المجردة عن سفاسف ما يتمسك به الآخرون من مظاهر ، أوصدت أبوابي عن العالم ، وعشت عالمي الذي لن يناله أي منكم إلا بعد الجهد الذي قدمته في كل مراحل العذاب التي بها مررت ، فلكي تدخلون عالمي عليكم أولا أن تسعوا لقول الحقيقة دون نفاق ، ، ثم أن تقاوموا من أجل كرامتكم وتواجهوا الظلم ، ثم أن تكسروا أذرع الطغاة ، وبعدها تعيشوا في الشماعية لردح من الزمن يؤهلكم لما أنا عليه ، وهيهات أن تتحملوا أيا من ذلك ) .
استدراك
00000000
اولا : لم نعلم أن دوائر الأمن قد كرّمت رشيد وذلك بجبه أي بقطع مذاكره  ( أعضاءه التناسلية ) ، هذا ما شاهده مشيعوه وهو على دكة المغتسل .
ثانيا : كان رشيد يمر على الشاعر ( جبار الكواز ) وأصبح بينهما أكثر من حديث مألوف ، أحد الأيام سأل الشاعر رشيدا قائلا له ، لم نكتب نبكي من قصيدة قفا نبك لمرؤ القيس بحذف الياء من نبكي ؟ ، لم يتردد رشيد وأجاب ( حذفت الياء يا جبار لأنها جواب طلب مجزوم ) ، أي مجنون هذا ؟ .
ثالثا :لرشيد رأي بخطباء وشيوخ المساجد والجوامع ، فرشيد يستنكر لغتهم الملحنة ، وعدم فهمهم الفقه الذي يفترض بهم نشره ،وكان يدخل للجوامع والمساجد ويؤنب الخطيب أن ألحن بعربيته .
رابعا : وصلت رسالة من بطرس موجهة لرشيد البهلول ، سلمت لمقهى ( حسن علي ) ، مفادها أني قد يئست يا رشيد ، أتمنى حضورك تعال ليلا خلسة وخذ الحبل الذي كنت أخفيه عنك ، ولكن سوف لن تجده تحت الوسادة ستجده معلقا بسقف ( القاووش ) ، وهذا دليل جنون آخر للاثنين رشيد وبطرس ، وفعلا نفذ بطرس ما نوى .
خامسا : ربما يعد رشيد ممن أسميناهم جزافا ( الماركسيين الإسلاميين ) .
 سادسا :آخر دليل على أن الأمن والحزب المجتث هما سببا صعلكة وجنون رشيد وقتله شهيدا ، أقترح الخطاط العالمي ( محمد علي شاكر شعابث ) أخذ رشيد الى لندن للعلاج ،و قدمت المعاملة لدوائر الصحة  وحصل جعفر الذي سيرافق أخاه على جواز السفر ، ولم توافق دوائر الأمن على منح رشيد جواز سفر ، هذه هي الإنسانية البعثية ، يمنح المرافق جوازا للسفر ويمنع المريض من السفر ومنح الجواز .