23 ديسمبر، 2024 3:27 م

هستريا جنون العظمة

هستريا جنون العظمة

(( لدينا مهمة تكاد تظهر كونيتها وهي أنسنة المفاهيم إذ تضطلع بصيحة ناصعة تحمل الشورى قانونا أبديا وتهيئ لمأسسة مدى ناجع في أن يعمل المكنون الشيعي في خدمة المكنونات العراقية المتصاهرة في متلاقياتها الوجودية لتوأمة المتلاقيات )) .
((لا دولة بلا خِطاب ولا خِطاب بلا حُب ولا حُب بلا تضحية و حين يلتقي الحبان، حُب البذل لدى المُعطي، وحُب الأخذ لدى المتلقي يتجلى التخاطب وهو أبلغ الخِطاب )) .
((ن الخطاب في المرحلة الحاضرة يملأ لنا فراغاً كبيراً، ولطالما كنا نعاني مِن أزمة خِطاب، وحين يلتحم الخطاب بالخطيب والتجسيد يكون الخطاب قد انطلق مِن عُمق الخطيب المعطي، لينفذ إلى عُمق المتلقي )) .
((ومعنى أن يكون الخطاب خطاب دولة هو أن تنظم فيه التراتبية الروحية والمعرفية والنفسية والاجتماعية، لأنها جميعاً مؤثرات في بناء الفرد وهو وحدة بناء المجتمع )) .
شاء القدر وشاءت الصدفة أن يكون صاحب هذه الكلمات المتقاطعة أول رئيس لمجلس الحكم الذي عينّه الحاكم المدني في العراق بول بريمر , وأول رئيس وزراء منتخب بعد سقوط النظام الديكتاتوري الدموي , سمّى نفسه القوي الأمين تشبّها بالنبي موسى عليه السلام وكما ورد في القرآن الكريم على لسان ابنة المصري (( إنّ خير من استأجرت القوي الأمين )) , وهذه قمة هستريا جنون العظمة , رجل ملأ الدنيا يخطاباته المبهمة وملأ آذان الناس بمصطلحات أصبحت مجالا للتنّدر والسخرية كالشفافية والفسيفساء والبعد المجتمعي وغيرها من المصطلحات الفارغة .
والجميع يعلم أنّ الرجل أصبح رئيسا للوزراء ولم يكن منتخبا لشخصه أو لحزبه , ولم يكن يوما قويا ولا أمينا , وهو الأبعد عن العطاء والتضحية , وهذه صفة عامة امتازت بها كل القيادات المتأسلمة الشيعيّة منها والسنيّة , أما الوفاء فلا أثر له في نفس وسلوك هذا الرجل , وحين توّلى السلطة تنّكر ومن بعده خلفه لأقرب رفاق دربه الحاج أبو مقداد (( الحاج رزاق نصيف سلطان )) رفيقه الذي عاش معه سنتين في الأهواز وفي غرفة واحدة أثناء الحرب العراقية الإيرانية , وهذه قصة يعرفها كل أبناء مدينة السماوة , فالحاج أبو مقداد مات بمرض السرطان ولم يتم إعادته للوظيفة التي غادرها عام 1980 , إلا قبل أيام من مماته وهو مسجّى على فراش الموت .
وهو يحاول أن يصوّر لمستمعيه أنه مثقفا ومفوّها وفيلسوفا وأنّ مايقوله فكرا معمّقا وليس كلاما سطحيا ككلام عامة الناس , ويحاول أيضا أن يصوّر للعراقيين أنه الزعيم المحبوب لهذا الشعب .
أعان الله شعب العراق وصبرّه على تحمّل هذا البلاء الذي حلّ به وأعانه على تحمّل هستريا جنون العظمة لهؤلاء القادة , ولا أدري ماذا سيكتب التاريخ عن هذا الزمن الرديئ وهؤلاء القادة الذين ابتلينا بهم , نسأل الله تعالى أن يكون العراقيون قد استوعبوا الدرس .