قلنا ان معركة الفلوجة ستكون معركة تاريخية بمعنى الكلمة ،واستندنا بهذا على جملة معطيات ستراتيجية عسكرية ،تحاول امريكا ان تنفذها في العراق ،للوصول الى اهدافها الكبرى ،في مواجهة الارهاب بكل اشكاله وانواعه ،والذي اصبح يشكل تهديدا مباشرا ،للامن القومي الامريكي والعالمي ،وحادثة اورلاندو مثالا على ذلك ،والتي تتحمل ادارات امريكا المتعاقبة صنعه ودعمه ،حتى تمرد عليه ، وداعش احد هذه التنظيمات التي صنعتها امريكا وايران ،لانجاح مشروعهما الاستيراتيجي في المنطقة ، وتطبيق شعار الفوضى الخلاقة ، فداعش والميليشيات ،هي احد وجوه هذه الفوضى إن لم نقل انها الوجه الابشع لها ،وهكذا نفخت امريكا بادارة اوباما داعش والميليشيات ،حتى اصبحتا عبئا ثقيلا عليها ،في مراحل لاحقة ، وخاصة في العراق ، ناهيك عن تواجدهما في لبنان واليمن وسوريا وليبيا، والتي فتحت بهما الحروب الطائفية على مصراعيها ، وما يعنينا اليوم هو مأزق اوباما في العراق، لاسيما وهو يودع الرئاسة نهاية هذا العام ، وقد وعد العالم بنهاية اكيدة لتنظيم داعش في العراق وسوريا وغيرها، وإبعاد خطرها عن امريكا ،
وهكذا اصبحت الاستراتيجية الامريكية محط اهتمام ادارة اوباما في العراق اهتماما خاصا واستثنائيا، اكد اوباما وادارته ان حيدر العبادي هو شريك جيد،، وان تغيير الرئاسات خطا احمر ،وان التظاهرات يجب ان تكون سلمية ، وان دعم حكومة العبادي وجيشه بكافة انواع الاسلحة والطائرات والصواريخ والمدافع الحديثة، امر في غاية الاهمية ،لانجاح استراتيجية امريكية ،وتحقيق اهدافا امريكية قبل ان تكون اهدافا عراقية ،بمعنى ان امريكا تدعم العبادي وحكومته ليس لسواد عيونه والبرلمان، وانما في الدرجة الاساس ،حماية ودعم وانجاح المشروع الامريكي في العراق ،والذي استحوذت عليه الاحزاب الايرانية ،وبدعم ايراني، وجر البساط ايرانيا من تحت امريكا، لذلك سارعت ادارة اوباما، لاخذ زمام المبادرة ودخلت بقوة لدعم حكومة العبادي وبرلمانه وجيشه، وبهذا حققت امريكا ما كانت تخطط له ،وهو ابعاد الميليشيات الايرانية التي تشكل الذراع العسكري الايراني في العراق ،بعد جرائمها في الصقلاوية والفلوجة والمقدادية (لاسقاطه جماهيريا) وهكذا سقط ، وطرد تنظيم داعش ،من الانبار ومدنها وصلاح الدين ومدنها وديالى ومدنها ، والان تتجه الى الموصل ومدنها ، وشاهدنا ونشاهد الان ،كيف تحقق امريكا بدعمها جيش العبادي وقواته انتصارات كبرى، بمساعدة الطيران الامريكي وتحالفه.
في سباق محموم نحو استعادة الموصل قبل الانتخابات الرئاسية الامريكية ونهاية فترة رئاسة اوباما ، ولكن مع كل هذه الانتصارات العسكرية ،والتي حقيقة حجمت تقدم داعش وطردته في اكثر من مدينة عراقية ،وهو في طريقه لفقدان كل المدن التي يسيطر عليها ، وخاصة الرئيسية ومنها الفلوجة واقضية الانبار الاخرى ،ذات الاهمية الاستراتيجية القصوى عسكريا لداعش ،لقربها من صحراء الانبار والجزيرة ،وسهولة الاتصال مع سوريا ،مما يسهل عليها الانتقال والتمدد ونقل المقاتلين والاسلحة وغيرها ، مما افقدها اهم عناصر قوتها الاستراتيجية العسكرية وهي الامدادات بكل انواعها ،وهذا نجاح وتفوق امريكي كبير نحو تقزيم وتحجيم داعش وقوتها ،وتسريع نهايتها في عقر دارها في الموصل ، المعارك التي تقودها امريكا الان في العراق، هي معارك مصيرية بالنسبة لامريكا ،فنهاية داعش هي مهمة امريكية بالدرجة الاساس، ناهيك عن خطورتها على امنها القومي والسلم العالمي، اضافة الى ان السباق بينها وبين روسيا اصبح مكشوفا ،لمواجهة الارهاب، الذي مازال مفهومه واهنا وهلاميا ومزاجيا ويعتمد على الاهواء السياسية واغراضها ومصالحها ،لدى الدول العظمى ، ومع هذا فقد توحد المصالح الامريكية الروسية في كل من العراق وسوريا،لمواجهة تنظيم داعش وبقية التنظيمات المتطرفة كالنصرة وغيرها، واعتقد ان امريكا قد ربحت الجولة في سوريا ،واصبح النفوذ الامريكي في سوريا ،اقوى من النفوذ الروسي والايراني ، خاصة بعد موافقة ادارة اوباما على التخلي والاصرار على ابعاد الاسد ،من السلطة كشرط لدحر داعش، اليوم المعركة في سوريا والعراق واحدة امريكا، والدعم والتسليح والقتال في الرقة ومدنها ،والفلوجة ومدنها والموصل ومدنه ،واضحا هيمنة الطيران الامريكي والقرار الامريكي السياسي ، وما معركة الفلوجة ،التي تمثل –كسر شوكة الارهاب-لان الفلوجة معقلا داعشيا استراتيجيا نفسيا وعسكريا واعلاميا الا ايذانا بدحر داعش في العراق ، وهزيمته فيها تعني هزيمته في الموصل ، وهكذا تهزم امريكا داعش .
عسكريا على الارض ،ولكن يستحيل ان تهزمه في الفكر ، لانها لاتمتلك الادوات التي تستيطيع ان تهزمه فكريا وشعبيا فيها ،على الاقل في الوقت الحالي،على اهميته القصوى ،لان الشارع ومزاجه مؤهل لنبذ فكر تكفيري تدميري باسم الاسلام ينتهجه تنظيم متطرف هو تنظيم داعش، فالجميع نبذه واخرجه من الدين وسموه ب(الخوارج)، (كلاب اهل النار) ،وكثير من المسميات القاسية الاخرى ،في اشارة الى كرههم لهذا التنظيم المتطرف ، الذي شوه صورة الاسلام الحنيف المتسامح المعتدل ، وكان سببا في تدمير محافظات عراقية يدعي انها حاضنته ،وقتل وهجر اهلها ذبحا ونحرا ورميا من اعلى البنايات والدوس بالدبابات والتفجير بالزوارق وطرق في القتل لاتخطر على بال حتى الشيطان الرجيم،ومعركة الفلوجة ،بكل تداعياتها والجرائم التي قامت بها عناصر الميليشسيات الايرانية في ابشع طريقة للانتقام الطائفي ، والثأري،وقيام قاسم سليماني بقيادة المعركة ،وحسب التصريحات الايرانية العلنية وقادة الميليشيات، ومشاركة الحرس الثوري الايراني وفيلق القدس، وكأن المعركة بين ايران والعراق، وهو في حقيقتها هكذا وجوهرها تاريخي انتقامي ، الا ان هذا انعكس سلبا وانفضحت امريكا وايران وحكومة العبادي معا امام العالم،ان المعركة ليست بين داعش والجيش العراقي وانما بين العراق وايران بكل معنى الكلمة ، وهناك عشرات الحقائق على الارض اثبتت هذا وتؤكد هذا بما لايقبل الشك ابدا، وهذا ما تنبهت له ادارة اوباما ،واسرعت فورا لتغيير قواعد اللعبة هناك، فسحبت الحشد الشعبي ومنعته من الدخول الى عمق الفلوجة ، وابلغت العبادي بضرورة مغادرة سليماني العراق فورا ، وقالت له بالحرف الواحد(اما نحن او سليماني في الفلوجة )، وهكذا تم حسم معركة الفلوجة بعد ابعاد الميليشيات وسليماني بدون مشاكل، واليوم تتجه نحو استعادة الموصل بنفس سيناريو الفلوجة ،اي بلا حشد ولا بطيخ، وهذا يؤكد حقيقة لامريكا ،ان مشاركة الحشد بالرغم من انه (بوخة اعلامية ).
وسلعة بائرة في المعارك ،الا ان حقيقة خطر الميليشيات على انجاح معارك امريكا على داعش، اصبح واضحا ،انه كان سببا في فشل دحر داعش وهزيمته ، لسببين رئيسين وهما ،ان الشارع العراق لايتقبل ويعرف جرائم الميليشيات اذا شاركت، والسبب الاخر ان الميليشيات لاتمتلك اسباب النصر العسكري، لانها تقاتل بأسم المذهب والعقيدة ،ولم تقاتل باسم الولاء للعراق،ناهيك ضعف ادائها العسكري ،وقلة خبرتها العسكرية، كونها ميليشيات غير مدربة، وتفتقر لعنصر المباغتة والهجوم والتنظيم العسكري ،وقراراته مرتجلة بعيدة عن الخبرة العسكرية، اي بلا خطة واضحة، وهكذا كل معركة يشارك فيها الحشد مصيرها الهزيمة ، وهنا ادركت ادارة اوباما هذا وابعدته، لاسباب عسكرية وطائفية ينتهجها الحشد بميليشياته، التي تحمل الاجندة والاوامر الايرانية وليست العراقية، اذن حتى تربح امريكا معركتها ضد الارهاب ،وهزيمة تنظيم داعش ،عليها ان تدرك ،ان اعتمادها على الحشد الشعبي والميليشيات لايحقق لها هذا، وان احتضان ودعم المناطق التي يتواجد فيها داعش، هو مفتاح نصرها على داعش، باستخدام جيش منظم بعيدا عن الطائفية، ويخضع لاوامر عراقية لا ايرانية ، وهو ما تعمل عليه الان ،وايقنت انها ارتكبا خطأ جسيما في دعمها للميليشيات الايرانية ،التي تعمل لصالح الاجندة والمشروع الايراني فقط، بعيدا عن المصالح الامريكية، اذن تحول البوصلة الى (السنة تحديدا) .
هو ما تعمل عليه امريكا وتعتمده في استراتيجيتها الجديدة، في القضاء نهائيا على داعش ومشتقاته الميليشيات الايرانية الان ، وما نتائج معركة الفلوجة، الا دليل على تحول استراتيجي في السياسة الامريكية في العراق، وهو ما يسهل لها استعادة معركة الموصل باقل الخسائر ، واسرع الاوقات، اما بالنسبة لداعش،الذي يحتضر عسكريا ويهزم ،ويفقد الارض والمعنويات، فهو زائل على الارض لا محالة، لان من كان يعول عليهم، قد نحرهم بافعاله وجرائمه،مما افقده رصيده ،الذي كان يعول عليه،واصبح مكشوفا الان ، مما سهل اختراقه وهزيمته ، ولكن سيبقى فكرا في عقول من لاعقل له ،حتى يصحو ذات يوم ، ويكتشف كم كان مخدوعا بفكر متطرف، قتل مئات الالاف من ابناء جلدته نحرا وقتلا وتهجيرا واعتقالا ،وعندها لا ينفع الندم ، داعش يهزم فكريا وعسكريا ،ومعركة الفلوجة شاهد على هزيمته عسكريا وفكريا،واسقطت هالته التي يعتقد البعض انها لاتقهر ولا تهزم ..الفلوجة تنتصر بأهلها ومواقفها الوطنية ،رغم انها تعرضت للابادة والحصار لمدة عامين، وهاهي تعود لتنتصر على اعدائها ،ومن اراد اذلالها من الظلامين الدواعش أو ايران وميليشياتها…