18 ديسمبر، 2024 6:02 م

هزيمة الولايات المتحدة في افغانستان.. اعادة حسابات، وترتيب للأولويات

هزيمة الولايات المتحدة في افغانستان.. اعادة حسابات، وترتيب للأولويات

هزيمة الولايات المتحدة الامريكية المذلة في افغانستان؛ سوف تشكل علامة فارقة في سياستها اللاحقة في اسيا الوسطى، وفي المنطقة العربية، وفي العالم، وسوف تُزَيد او تُسَرع من عملية انحدارها كقوة عظمى مهيمنة على مقدرات الكثير من دول المنطقة العربية وجوارها، وفي العالم. لكن في المقابل ان هذا الانحدار لا يعني بالضرورة الحتمية؛ ان تنعكس هذه الهزيمة على اوضاعها الداخلية بطريقة حاسمة، بل، ربما ان العكس هو الصحيح؛ على ضوء اعتماد الولايات المتحدة على الاستراتيجية الجديدة في رسم سياستها في المنطقة، والعالم، قبل حين من هذه الهزيمة؛ تحت ضغط المنافسة بينها وبين الثنائي؛ الدب الروسي و التنين الصيني، على زعامة العالم. اعتقد ومن وجهة نظري؛ ان الانسحاب الامريكي كان قد اتخذ منذ فترة ليست بالقصيرة، وعلى اعلى مستوى في صناعة القرار والسياسة في الولايات المتحدة، وليس حصرا على رئيس الادارة الامريكية، ترامب سابقا وبايدن حاليا، واي كان غيرهما؛ بعد ان ايقنت الولايات المتحدة؛ باستحالة تحقيق سياستها في افغانستان، بفعل مقاومة الافغان للاحتلال الامريكي وسياسته في بلدهم، خلال عقدين، وان الاصرار على البقاء في هذا البلد؛ سوف يشكل عامل استنزاف لمواردها، التي هي في امس الحاجة لهذه الموارد في منافستها للثنائي الصيني والروسي. أما الاصوات الامريكية التي تُديِن بايدن على هذا الانسحاب؛ هذه الادانة والشجب ليس للانسحاب بحد ذاته، انما للطريقة التي تم بها سحب القوات الامريكية، وما رافقها من فوضى واضطراب وذل. وهل ان هذا الانسحاب، سوف ينعكس سلبا على امريكا، بكل تأكيد سوف تكون له تداعياته وتأثيراته على الولايات المتحدة، وعلى مناطق الصراع في المنطقة، والعالم، لكنه؛ لن يقود او ينتج منه؛ تفكك الولايات المتحدة، أو تراجع تأثيرها في السياسة الدولية؛ كقوة عظمى من بين قوى دولية عظمى فاعلة في المجال الدولي؛ تشكل بمجموعها، تعدد الاقطاب الدولية في العالم؛ ان هذين الامرين، بعيدان الاحتمال جدا، ان لم أقل مستحيلان. الولايات المتحدة؛ لن تتفكك كما يروق لبعض الاقلام من خبراء السياسة والاستراتيجيات؛ في تصوير هذه الهزيمة الامريكية النكراء والمذلة والمهينة، واسقاطاتها على الاتحاد الامريكي، لكنها في المقابل سوف تُسَرع، كما بينا في اعلاه؛ تنفيذ الياتها، وخططها الاجرائية الجديدة، في العالم وفي منطقة اسيا الوسطى، وفي المنطقة العربية، وفي بقية اركان المعمورة، على الصعيدين التكتيكي والاستراتيجي، كما انها وفي التزامن والتوازي؛ سوف تعمل على بناء بيتها الداخلي، على اسس ومعايير واجراءات، في احتواء استباقي للتحولات العميقة في المجتمع الامريكي، كرافعة لهذه التحولات، من منطلق ضبط حركة هذا التغيير؛ بإعادة الصياغة المعيارية للمنطلقات الديمقراطية، في جميع الحقول، ذات العلاقة بالحرية الكاملة للفرد، وترتفع ايضا؛ الى مستوى التهديد لزعامتها في العالم، التي باتت من الماضي. وانها لقادرة على التنفيذ في هذا التوجه والاتجاه؛ بمفاعيل ديمقراطيتها الراسخة، وقدراتها الاقتصادية الهائلة، ونفوذها في التجارة والمال على الاغلبية الساحقة من اقتصاديات العالم( الدولار..)، وسيطرتها على المؤسستين الماليتين الامبرياليتين، البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي؛ اداريا، وسياسيا، وتنفيذا. وقدرتها وقوتها العسكرية الهائلة، في التدمير المروع، وفي الانتشار الاخطبوطي على سطح الكرة الارضية. ان هذه العوامل بمجموعها؛ تجعل قدرتها، مفتوحة بلا حدود ومحددات على اعادة صياغة هذه المنطلقات على ارض الواقع، الذي فرضها عليها؛ التحول العميق في الداخل الامريكي، وتهديدات الخارج، لريادتها العالمية.. لكنها، لن تبقى جالسة على كرسي القيادة للسياسة الدولية كما في السابق؛ فقد انقلب هذا الكرسي، واسقطها من عليه؛ لتكون قطب دولي من بين عدد من الاقطاب الدولية. ان ما حدث لها، في افغانستان؛ لن يمر عليها، وعلى المنطقة، وعلى العالم بسلام. فقد مست هذه الهزيمة، وبالذات الطريقة التي جرى فيها؛ سحب ما تبقى من قواتها، وبدلمومآسييها، وبقية العالمين من رعاياها، اضافة الى تركها المتعاونين معها، من الجواسيس والعملاء؛ يواجهون مصيرهم بعد ان خذلتهم. وسوف يخلل ثقة حلفائها بها؛ سواء حلفائها، وشركائها في الاقليم العربي والجوار العربي، او حلفائها في الناتو من الدول الاوربية. كما ان هزيمتها التي اجبرت على اتخاذ قرار الانسحاب بنتيجتها، او بلغة مهذبة، خارج مجريات الواقع؛ قرارها بالانسحاب من افغانستان بعد عشرين عاما من الاحتلال؛ سوف تكون له تداعيات واسقاطات في دول اسيا الوسطى والمنطقة العربية؛ لجهة تقوية شكيمة الارهاب، وتقوية شكيمة المقاومين لسياستها في المنطقة والعالم. كما انها؛ سوف تفتح الباب للاستثمار الصيني والروسي في المجالات والفراغات سابقة الاشارة لها في هذه السطور. لكن مع هذا تظل للولايات المتحدة كما اسلفنا القول فيه؛ قدرتها وقوتها على الالتفاف على مجريات الواقع وضرورته؛ بلوي اعناق الحقائق، وتحويل خطوط حركتها وسيرها بالشكل الذي؛ يحتوي هذه الهزيمة وهذا الانكسار، بواقع جديد يتم تخليقه؛ بأذرع دول عميلة وتابعة لها في المنطقة وفي بقية زوايا الكرة الارضية.