19 ديسمبر، 2024 12:57 ص

هزوا الغصون لعل شهيدنا ..نائم !!

هزوا الغصون لعل شهيدنا ..نائم !!

عقارب الساعة تشير الى تمام الساعة الحادي عشرة والنصف ليلا ..نصف ساعة تفصلنا عن اليوم العالمي للطفولة بذكراها الـ23 حين وقعت عشرات الدول على الاعلان العالمي لحقوق الطفل في الجمعية العامة للأمم المتحدة…هزيم الرعد وصرير الريح ينذران بقدوم شئ ما استشعره ولا ابصره …نباح الكلاب البعيدة وضوء المصباح الخافت يضفيان على الاجواء مسحة دراماتيكية كئيبة تشي بأسرار أخفيها ولا أكاد ابديها لولا صورتي طفلتين يتيمتين وضعتهما امامي لاشعوريا يضئ ضوء البرق وجنتيهما المتوردتين بين الفينة والاخرى تهيبان بي لفعل شئ ما ..نظم قصيدة ..رسم لوحة ..كتابة مقال ..ذرف دمعة ..طفلتان يتيمتان لايتجاوز عمر اكبرهما سنا الخمسة اعوام الاولى كأنها ملاك يطير اسمها عبير
والثانية كغصن بان اسمها بنان ..اختطفتا ..اغتصبتا ..قتلتا بدم بارد خلال شهر واحد من عام 2012 في مدينة البصرة جنوبي العراق !! صورتان استدعت الى ذاكرتي الحبلى مأساة تمتد كسرب حمام من بغداد الى الصين على حد تعبير- نزار قباني- لأيتام لم تعد مأساتهم قاصرة مع مايكتنفها من الام واحزان على غياب الاب أو الام او كليهما معا، بل استفحلت وبشكل مخيف ينذر بأسوأ العواقب لتشغل حيزا قاتما في جميع الملفات الشائكة المعنية بحقوق الانسان ( تسول ،تشرد ،نزوح ،نشل ،ادمان ،اختطاف ،دعارة ،عمالة اطفال ،تسرب مدرسي ،امية ، اعاقة ، تجارة اعضاء ،بل سجن واعتقال ايضا ) لم يكن امامي في تلك الدقائق العصيبة سوى ان امتطي صهوة قلمي لأشق غبار الكلمات مبتدأ بهزوا الغصون لعله نائم !!
شمس الدين فتى يانع قتل والده في حرب الخليج الاولى، ولما يبلغ من العمر السنة الواحدة بعد، وماتت امه حزنا وكمدا على شقيقه الاكبر الذي فقد في حرب الخليج الثانية، وعهدت تربيته الى مختار محلتنا.. وسرعان ما علمنا وبعد ان ساءت حالته الصحية انه مصاب بتكسر الكريات الحمر – الثلاسيميا، أو ما يعرف بفقر دم البحر المتوسط، وبناء على ذلك فهو بحاجة الى نقل دم كل 3-4 اسابيع، وبحاجة الى حبوب فولك اسيد لتنظيم تكون الكريات الحمر، وهو بحاجة الى حقن الديسيفرال يوميا لسحب الحديد الزائد من الدم، اضافة الى فيتامين سي فنصحه بعضهم بتناول القمر الدين لأنه غني بفيتامين سي، حتى ادمنا اكله كل ست ساعات تقريبا، وكنت اذهب معه الى المشفى في الموعد المحدد، وذات يوم وبعد احداث سامراء المشؤومة حان موعد الذهاب الى المركز الصحي في مستشفى الكرامة ولكن الوضع الأمني كان مترديا الى حد لا يطاق، الأمر الذي دفعنا الى التريث أياما عدة، إلا ان تردي حالته الصحية اقتضى منا المغامرة فخرجت به مسرعا وبعد امتار وجدنا انفسنا وجها لوجه امام حاجز يرتدي اصحابه السواد وامامهم خمس جثث ملقاة على ظهورها وفي جبهة كل منهم اطلاقة واحدة، فأخرجت هويتي الاولى ( كان لكل عراقي في تلك الفترة هوية او اكثر تستخدم حسب المناطق المتباينة عرقيا او طائفيا )وبعد جهد حثيث ، ومفاوضات مرهقة تركونا وشأننا ، وبعد 500 متر اخرى اصطدمنا بحاجز جديد يرتدي اصحابه السواد أيضا وامامهم خمس جثث ملقاة على بطونها يخالف الاول وفي قحف كل جثة اطلاقة، فتركونا نمر بعد جهد جهيد وبعد سويعات وصلنا الى المركز الصحي فاذا به مغلق بسبب الاوضاع المتردية فساءت حالة صاحبي، وطلب مني قطعة قمر الدين أخيرة لعله يتمكن من اكلها قبل ان يفارق الحياة وسألني عن سر التسمية فقلت تزعم الموسوعة العربية انه سمي باسم صانعه او لأنه يصنع غالبا قبل هلال العيد بيوم او يومين، مات شمس الدين فصرخت بالمتجمهرين من حولنا هزوا الغصون لعل شهيدنا نائم نائم ، علما بانه ليس واحدا بل .. عدة ملايين !! .أودعناكم