من مواقف حياتي كلها , أتشرف بالرد على رأي سماحة السيد رحيم أبو رغيف المحترم .. راجيا من سماحته ان يعذرني عن التطفل في محادثته مخالفا لراية , ولكن سعة صدره وعلو شانه يدفعني ان استمر لتوضيح مسالة اكبر وأعظم مني ومنه .. وخلال سنوات عمري التي قضيتها في البحث التاريخي وتفسير القران حيث اعتبرهما الرافدان الأساسيان في بلورة الفكر الأصولي عند كل مسلم ..وجدت نفسي ملزما في الرد على ما اعتقد وما عرفته من نصوص الإسلام …
قبل أيام في شهر نسيان 2019 قرأت موضوعا لسماحة السيد المبجل رحيم أبو رغيف يعلن راية في عدم وجود نص في القران الكريم ولا في الحديث النبوي الشريف يدعو إلى تأسيس دولة إسلامية , جرى بيني وبين سماحته رد وحوار توضيح من قبل الطرفين , ويبدو ان التعليق غير كافي لبيان الحقائق الكبيرة .. ولذا أقدم بضاعتي إلى سماحته مكررا رجائي بالاعتذار وتقبيل يديه الكريمتين ..
الذي دفعني للرد هي كلمة لا اعتقد انه كان يقصدها بتعمد وهي كلمة ( أتحدى) ان يأتي أي شخص بدليل من القران والحديث والسنة .. أقول :…
ورد في القران الكريم آيات عديدة , فسرها المختصون الماضون وعدد كبير من أساتذة الجامعات .. إنها تعني إقامة الدولة الإسلامية( تحديدا وبالنص مع اختلاف الألفاظ ) ونحن نعلم ان كثيرا من الأسماء تغيرت بحكم الزمان والتاريخ .. وعندنا الأدلة الكثيرة في هذا الخصوص .. قال تعالى في كتابه الكريم .. (وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ) يقولون المفسرون ان هذا النص يبين ( تعدد غايات التمكين وأهمها نشر الدين ) أي السلطة والثروة والأرض وأقاليمها ..
وكما يعرف المختصون يا سيدنا إن الأقاليم لا تعني عموم الأرض , بل ان المواطن من غير إقليم يعتبر بمنأى عن القوانين التي تفرضها السلطة الحاكمة في الإقليم الآخر … أما التفسير الثاني لمفهوم التمكين فهو التفسير السياسي ، ويقوم على التأكيد على البعد السياسي لمفهوم التمكين، لكنه يتطرف في هذا التأكيد لدرجه إلغاء الأبعاد الأخرى للمفهوم.. وهنا يظهر قصور المفهوم السياسي لمصطلح التمكين , وهذا التقصير لا يمكن ان يلغي المفهوم , ويعتبر ذلك تطرفا فكريا , كما يتصوره البعض..!
ذَلِكَ َقَوْلِهِ ” وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَة اللَّه لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَان لَظَلُوم كَفَّار) ونعمة الله شاملة للثروات والحرية وتسيير أمور الناس وفرض الامن ,هذه لا يمكن ان تتم الا بقانون الهي الذي أوردته في الآية الأولى .
وقوله تعالى (وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ َ) والتمكين هنا الحكم وتبليغ رسالة الله تعالى .. وفي سورة يوسف نص واضح يبين دور الإمام او القائد الديني وصفاته كحاكم ,وهو قوله تعالى (قَالَ اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ ۖ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ)..ولا أريد الإطالة بالروايات التي ملأت كتب الشيعة والسنة بخصوص الدولة وقوانينها .. وان لم تذكر بالنص اسم الدولة بمفهومها اليوم . ولكن مفاهيم الدولة المدنية اخذت معظم ما قام به رسول الله (ص) في تاسيس الدولة الاسلامية في المدينة المنورة . ولم يعترض أي نظام على خطوات اسس بناء الدولة الاسلامية بل استمر العالم كله اليوم على تطويرها وفق ما اسسها رسول الله (ص) .. وعمل اغلب من جاء من بعده .. عملوا بالأسس التي بناها..
· بناء البنوك : كانت الأموال تجبى إلى بيت الملك او الأمير .. وهو من يعطي ومن يمنع .. غير ان رسول الله (ص) حين نزل قانون الضرائب .الزكاة. وهو معمول به الآن في العالم .. أمر ان تبنى دار خاصة للمال سميت ببيت المال .. وضع فيها مسؤولا وكتابا وحراس( وهي البنوك اليوم)
· حين تعرضت المدينة لخطر الغزو من قريش تم تأسيس ( وزارة الدفاع ووزارة الداخلية ) ولمن يريد الاطلاع يراجع فترة تأسيس السرايا وواجباتها في الدفاع عن الأرض والعرض والمال .. وهي تسمى اليوم وزارة الدفاع ووزارة الداخلية .
· لما أراد الحج الى بيت الله في السنة الثامنة , منعته قريش ووقع معاهدة مع أعداءه أهل مكة ..ولا زالت الأمم المتحدة والدول المتحاربة تمارس هذه الطريقة ..
· حين تطلب التبليغ التوسع في نشر الرسالة . اعتمد الرسول (ص) بإرسال شخصيات لهم علاقات مع الدول الكبرى آنذاك . او ممن يعرف لغتهم ليبلغهم رسالة الإسلام . وهؤلاء سفراء ,
· قام الرسول (ص) بتعيين عددا من أصحابه لفض النزاعات بين المسلمين أنفسهم أو مع غيرهم وتم تنصيب قضاة .. وهم العدليون .. واستمرت هذه الطريقة إلى اليوم .
· أما الحدود والقصاص وتنفيذها على الناس,لا يشك عاقل ان من ينفذها صاحب سلطة ..
· مواضيع السجون : حين استأجر الخليفة عمر بن الخطاب بيتا واتخذه سجنا بعد توسع المجتمع وظهور الجرائم ( وان قلت لي انا لا أأخذ حكما شرعيا من عمر ) فان علي بن ابي طالب(ع) أول من بنا سجنا في الكوفة وسماه ( المخيس )…
· أما قولي لك شعارات كربلاء فاني لا اعني بها شعار يردده الناس في محرم , بل شعارات الحسين التي اطلقها ضد دولة بني امية ومن أشهرها .. ( الإصلاح في امة جدي ) ولا يمكن لمصلح الأمة ان يصلح الناس الا بالسلطة واستلام الحكم .. وإلا لسقط الجهاد عن المسلمين في جهاد المنحرفين . واليوم جميع المجاهدين يأخذون أوامرهم من الدولة ومن المرجعية ..
وختاما أرجو ان تعذرني من نشر هذا الحوار الذي تمخض عنه هذا المقال .. لأني أرى نفسي ملزما للدفاع عن ديني كما أراه أنا .. وهذا من حقي كما أنت أجبتني انك ترى عدم وجود نصوص في القران والشريعة والأحاديث وقلت انه من حقك .وهي رؤيتك. تقبل تحياتي وسلامي لشخصك الكريم ..