عن أنس أنه قال: أن رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله ـ أدركه أعرابي فأخذ بردانه فجبذه جبذة شديدة، حتى نظرت إلى صفحة عنق رسول الله، وقد أثرت به حاشية الرداء من شدة جبذته، ثم قال له: يا محمد، مُر لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه رسول الله وضحك، وأمر له بعطاء، فنزل قوله تعالى:(وإنك لعلى خلق عظيم).
أتفق علماء المسلمين، إن الله تعالى خص نبيه”صلى الله عليه وعلى آله”من كريم الطباع ومحاسن الأخلاق، بما لم يؤته غيره، وما أثنى عليه بشيء من فضائله، بمثل ما أثنى بحسن الخلق، وان الأنسان ليعجز أذا أراد الحديث عن شمائل رسول الله”صلى الله عليه وعلى آله”.
يقول ابن شهر اشوب”رحمه الله”:أنه ـ صلى الله عليه وآله ـ كان أحكم الناس وأحلمهم وأشجعهم وأعدلهم وأعطفهم، لم تمسّ يده أمراة لا تحلّ، وأسخى الناس، لا يثبت عنده دينار ولا درهم…
وكان يجلس على الأرض، وينام عليها، ويأكل عليها وكان يخصف النعل، ويرقع الثوب، ويفتح الباب، ويحلب الشاة، ويعقل البعير فيحلبها، ويطحن مع الخادم إذا أعيا،… ويخدم في مهنة أهله، وإذا جلس على الطعام جلس محقّراً، وكان يلطع أصابعه( يلعقها ويمصّها).
وقال: كان”صلى الله عليه وآله”يشيّع الجنائز، ويعود المرضى في أقصى المدينة، يجالس الفقراء، ويؤاكل المساكين ويناولهم بيده،… ولا يأتيه أحد ـ حر أو عبد أو أمة ـ إلا قام معه في حاجته، لا فظّ ولا غليظ، ولا صخّاب في الاسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يغفر ويصفح.
عن أبن مسعود قال: أتى النبي”صلى الله عليه وآله”رجل يكلّمه فأرعد، فقال”صلى الله عليه وآله”:(هوّن عليك، فلست بملك، إنمّا أنا ابن أمرأة كانت تأكل القدّ).
عن أنس قال:( خدمت رسول الله”صلى الله عليه وآله”عشر سنين، فما قال لي أفّ قطّ وما قال لشيء صنعتهُ، لم صنعته ولا لشيء تركتهُ لم تركته).
من وصاياه العظيمة”صلى الله عليه وآله”إذا بعث بالجند، كما يروي أرباب السير، فقال:
أذهبوا على أسم الله، وأستقيموا بالله، وجاهدوا لله وعلى ملة رسول الله.
أيها الناس، أجتنبوا المكر، ولا تستحلّوا السرقة في الغنائم، ولا تمثلوا بمن يقتل من الكفار، فلا تسملوا عيناً، ولا تقطعوا أذناً أو عضواً، ولا تؤذوا شيخاً او امرأة أو طفلاً، ولا تقتلوا راهباً سكن في كهف أو غار، …ولا تغرقوا بالماء زرعاً،… ولا تسمّموا ماء المشركين أبداً، ولا تلجأوا إلى الحيلة.
يقول الشيخ القمّي”طاب ثراه”:ورد في الأحاديث المعتبرة أن رسول الله”صلى الله عليه وآله”مضى شهيداً، كما روى الصفّار عن الإمام الصادق”عليه السلام”قوله:(سمّت اليهوديّة النبيّ في ذراع .. فأكل ما شاء الله، ثم قال الذراع: يا رسول الله، إنيّ مسموم، فتركه، وما زال ينتقض به سمّه حتى مات صلوات الله عليه).
قبض رسول الله”صلى الله عليه وآله”، ورأسه في حجر أمير المؤمنين”عليه السلام”، فغسله عليّ عليه السلام، ثم صلى عليه ودفنه، وكان ذلك يوم الأثنين لثمان وعشرين خلون من صفر من السنة الحادية عشرة من هجرته”صلى الله عليه وآله”، وهو أبن ثلاث وستين سنة، ولم يحضر دفن رسول الله”صلى الله عليه وآله”أكثر الناس لما جرى بين المهاجرين والأنصار من التشاجر في أمر الخلافة.
رحل رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ ورحل معه الخلق العظيم، فقد كان”صلى الله عليه وآله”، الممثل الحقيقي لدين الله الذي بعث به إلى الناس، لينقذهم من الضلالة والجهل إلى الهدى والعلم والنور.
سؤال في الختام: هل الحركات المتطرفة اليوم في العالم الأسلامي، من داعش والجهاد والوهابية والاخوان المسلمين وغيرها، التي ترفع شعار الإسلام، تمت بصلة إلى أخلاق النبي”صلى الله عليه وآله” ودين الإسلام؟.