23 ديسمبر، 2024 1:35 ص

هذا ما يحدث في طواريء مستشفياتنا .. بابل انموذجا .. !!!

هذا ما يحدث في طواريء مستشفياتنا .. بابل انموذجا .. !!!

تتبع معظم المؤسسات على جميع صنوفها في اغلب دول العالم معايير تسمى بمعايير الجودة لقياس مدى تميز عملها من حيث الأداء ومن حيث مواصفات المخرجات التي تقدّمها من خدماتٍ وتحديد مواطن القوة والضعف، وتقييمها، والعمل على تصحيحِ الأخطاءِ المختلفة . وتطبيق الجودة في المستشفيات من اهم الامور في القطاع الصحي . خاصة في جزء منها الكبير والحيوي هو الطوارئ التي تستقبل على مدار اليوم حالات حرجة وخطرة بحاجة الى تدخل طبي فوري . من هنا حددت الهيئة الأمريكية المشتركة لاعتماد منظمات الرعاية الصحية بتعريف الجودة في الرعاية الصحية على انها” درجة الألتزام بالمعايير المتفق عليها للمساعدة في تحديد مستوى جيد من الممارسة ومعرفة النتائج المتوقعة من الخدمة أو الإجراء العلاجي أو التشخيصي” اي ان الجودة في الرعاية الصحية تعني التأكد من تحقيق النتائج الصحية الجيدة المرغوبة ومدى توافقها مع المبادئ المهنية و تقليل النتائج غير المرغوبة ، واتباع المعايير والاسس التي ينظمها المسؤلون عن مهنة الطب في المجتمع والتأكد من ارضاء المرضى و كفاءة استخدام الموارد و تجنب تعرض المرضى للخطر . وفق تلك الصورة .. هل حققت المؤسسات الصحية في العراق ادنى مقاييس الجودة في عملها ؟ .
الوقائع على ارض الميدان تشير الى انخفاض كبير في مؤشر تطبيق معايير الجودة في النظام الصحي في العراق الذي ظل دون حراك منذ عقود بل تراجع تراجعا كبيرا ومستمر في تقديم الخدمة الصحية . وبرزت محاولات بعضها خجولة . الا ان ابرز تلك المحاولات في سعي وزارة الصحة لتطوير الواقع الصحي عبر مشروع كبير تبنته عام 2014 اعدت العدة والعدد لمناقشة نقاط الضعف ونقاط القوة في مفاصل النظام واستعدت لإقامة مؤتمر حضره بعد ذلك مستشارين أمريكيين من الجامعات الامريكية متخصصين في اقتصاديات الصحة اعقبته على شاكلته مؤتمرات فرعية أقيمت في المحافظات . وقد صرفت لذلك ملايين الدولارات على المؤتمرات والورش والندوات لمدة عامين حتى عام 2016 للخروج بصيغة تعالج النظام الصحي بشكل جذري .. ولكن ماذا حدث بعد ذلك ؟ على الرغم من تحديد المشاكل التي تعترض النظام الصحي ودونت على الورق على شكل توصيات ووضعت خطة استراتيجية مبنية على أسس علمية . لكن واقع الحال يشير الى توقف الحياة بالمشروع وكأن شيئا لم يحدث. وطويت الصحف وأغلقت الأبواب دون عمل على ارض الميدان قد يذكرنا بتلك المؤتمرات ونتائجها . فدفنت توصياتها بدهاليز الوزارة المظلمة . !!
وهنا تؤكد المعطيات على ارض الميدان على وجود كارثة حلت وستحل بالنظام الصحي في مؤسساتنا الصحية المتهرئة التي أصبحت خاوية من عروشها من بنى تحتية تشمل مستلزمات العمل من أجهزة وادوية وكوادر وادارات فاعلة .
ان وقفة بسيطة في احدى المؤسسات الصحية في العراق حاليا تجعلنا نؤكد ما اسلفناه من القول . وزيارة عن كثب لأحدى ردهات الطوارئ في مستشفيات محافظة بابل كنموذج حي ( اختيار الطوارئ كمفصل مهم وحيوي في المستشفيات ) تحديدا نجد ما يسر العدو ويغيض الصديق . فلانجد أي مقياس معتمد من مقاييس الجودة . فالطواريء امست دكاكين تقدم خدماتها بطريقتها الغريبة والشاذة والفريدة من نوعها . تبدأ من سيارة الإسعاف التي هي احدى أدوات المستشفى بنقل المريض من مكان كأن يكون بيته او مكان عمل الى المستشفى لتلقي العلاج الفوري . هذه الثقافة غير سارية المفعول في مؤسساتنا كما لا توجد في ذهنية المواطن العراقي الذي فقد الثقة بمؤسساته فحال دون الاستعانة بالاسعاف لاعتقاده ان الاتصال بالاسعاف لايعني دائما الاستجابة الفورية وان المؤسسة الصحية بأعتقاده تعد ذلك ترفا للمواطن . وهذه اللاجدوى في تفعيل خط الاتصال بين الإسعاف والمواطن ظلت راكدة في ذهنية المواطن لعقود . وأصبحت من المسلمات ان نجد سيارة الإسعاف في المؤسسة الصحية امرا شكليا . ومكملا للصورة ، فنلاحظ عادة ان اهل المريض ينقلون مرضاهم على عجالة بسيارة او يصل بهم الامر الى ستوتة . !!
بعد هذه الخطوة ينقل المريض الى احدى ردهات الطوارئ ليعرض على الطبيب الاختصاص حسب التصنيف الطبي لكل حالة . لكن هذه الحالة الطبيعية غير موجودة في طواريء مستشفيات العراق وكانت وما زالت سياق عمل حيث نجد ان الطوارئ تفتقر الى الطبيب الاختصاص على الرغم من قائمة العمل الملصقة على لوحة الإعلانات التي تبين وجود ” طبيب اختصاص ” وطبيب مقيم اقدم ” خفر لكن على الورق فقط . فلاوجود لهم على ارض الواقع . ويقع عاتق استقبال المريض في كل الأوقات هو الطبيب المقيم وعادة يكون حديث التخرج فلايمكن من تقديم الخدمة العلاجية الفورية والحاسمة للمريض التي تحتاج الى خبرة في التعامل مع الحالات الطارئة . مما يحتم على الطبيب المقيم في بعض الحالات الحرجة والخطيرة من استشارة الطبيب الاقدم عبر التلفون وليس الحضور الميداني . الذي بدوره يتصل بالطبيب الاختصاص عبر الهاتف للاستشارة . وقد يبدي هؤلاء انزعاجهم من تلك الاتصالات خاصة اذا كانوا في خضم العمل في عياداتهم الخاصة او نائمين في بيوتهم . وسط تلك الرؤية نجد الطبيب المقيم يدير رعاية عشرة مرضى او اكثر في الوقت نفسه . ” هنالك حالات حصلت امام نظري حين استعان طبيب مقيم بمهارة ممرض اقدم لمعالجة حالة او تحذير ذلك الممرض الطبيب من إعطاء علاج لا يتوافق مع الحالة الصحية والذي قد يؤدي الى موت المريض . ومثل تلك الحالات مشهودة في صالات الطوارئ ” .
ولكن الاسوء قادم حين يطلب من اهل المريض عمل تحاليل وشراء علاج وعمل اشعة ان لزم الامر خارج اسوار المستشفى . وهنا يجب على اهل المريض العمل بسرعة متنقلين بين المختبرات الخاصة والصيدليات التي قد تبعد عن المستشفى مسافات طويلة . والمصيبة اذا كانت الحالة خطرة وتستدعي السرعة في التشخيص والعلاج فيقع المحظور لاسيما ان بعض الحالات تصبح الثواني والدقائق ثمينة لإنقاذ المريض مما ساهم في ارتفاع نسب الوفيات في ردهات الطوارئ جراء ذلك . وتتكرر حالات وفاة بين جرحى حوادث المرور وغيرها الذين بحاجة الى تدخل جراحي سريع ومعرفة صنف الدم .

اذن نستنتج من تلك الفقرة ان هنالك حلقات مفقودة في سلسلة عمل الطوارئ تبدأ بالطبيب الاقدم والطبيب الاختصاص اللذان من المفروض ان يكونا مستعدين الى الاستدعاء في الحالات القصوى وهذا اضعف الايمان لكونهم يجب تواجدهم بالطواريء حسب لوائح العمل . ولكن مصطلح الاستدعاء قابل للتأويل والمراوغة وتلعب المحسوبية والرؤية الضبابية التي تتسم بها لوائح العمل في هذا المجال دورها الفاعل والمؤثر . هذا فضلا عن أهمية مختبر التحليلات المرضية الذي من المفروض تتوفر فيها جميع أنواع التحليلات التي تحتاجها الطوارئ زيادة على ذلك ادوية العلاج الضرورية التي تكون معظمها مفقودة في صيدلية الطوارئ ويصل خلو تلك الصيدليات من جهاز إعطاء تغذوي . وهذا ناتج عن ضعف الجهات الرقابية في دوائر الصحة في المحافظات وعدم وجود تناغم بين الجهات الرقابية والتنفيذية يساهم في المحافظة على تلك القوالب الجامدة التي توقف الإجراءات القانونية بحق المقصرين . من المؤسف في هذا الامر ان هنالك ثغرات قانونية يستغلها الطبيب حيث ان المريض لايلقي العناية الطبية الكافية مالم يمر بعيادته الخاصة التي يجري فيها جميع الإجراءات من دخول الطوارئ الى دخول الردهات الطبية في الحالات التي تستوجب إبقاء المريض ايام . وكأن لسان الحال يؤكد ان الطبيب يستغل المستشفى لمرضاه في العيادة والمستشفى لديه فندق استثماري فحسب – ان صح التعبير – . وهذه ثلمة بحق المؤسسات الصحية يستغلها الطبيب لتحقيق أرباح في عيادته وثغرة قانونية يستطيع كل طبيب الإفلات من العقاب . والامر الاخر الملاحظ في عموم طواريء المستشفيات العراقية ان عدد من الأجهزة الطبية لاتعمل بصورة صحيحة وان كانت عاملة فهي مهملة في معظم الاحايين ولايستعان بها عادة . وهذه المشكلة ازلية ومزمنة في معظم الطوارئ . وهنالك حالة حدثت امامي من خلال اسعاف حالة خطرة لامرأة من خلال جهاز الصدمة الكهربائية الذي تبين انه فاقد الشحن مما استدعى من طبيبة الخفر ان تقوم بالضغط على صدر المريضة لانعاش القلب وبدلا من ذلك ساهمت في تفاقم حالة المرأة سوءا بعد كسر احد اضلاعها بسبب الضغط غير الصحيح فادى الى وفاة المريضة في الحال .
ولكن عجبي من يعتقد أن ” الطب ” تخصص ، ومهنة كباقي المهن ، وهو في حقيقة الأمر ليس كذلك ، إنه رسالة أكثر من مجرد مهنة أو أي شيء آخر . واوجه خطابي لجميع الأطباء و” الطلبة الجامعيين الذين قصدوا طلب العلم لموضوع الطب ” ، ان أرواح الناس امانة في اعناقكم . وحمل رسالة الطب مسئولية ورسالة انسانية في خدمة الناس فلنضع مخافة المولى عز وجل أمامنا ونتذكر قوله تعالى ” وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئولُونَ”.