إن المتتبع للشأن العراقي وتحليل العملية السياسية برمتها مع الشخوص والرموز التي تتصدر قيادة المشهد السياسي يمكنه ببساطة الوقوف على النتائج الكارثية من مجمل هذه العملية على العراق ” كدولة ” وعلى العراقيين ” كشعب “. فالنظام المتبع في إدارة الدولة قد يبدو للمغفلين والسذج بانه نظام ديموقراطي يعتمد أسلوب الإنتخاب الحر لممثلي الشعب وإنما هو في الحقيقة نظام غريب يعتمد على أساليب عجيبة تتمثل بتوجيه أعداد غير قليلة من قطاعات الشعب ، بل الأصح ” قطعان من الشعب ” من قبل رئيس عشيرة أو قبيلة متخلف وغير متحضر بإعطاء صوتهم لأشخاص أو جهات معينة مهما كانت وطنية أم غير وطنية ، شريفة أم غير شريفة ، كفوءة كانت أم غير كفوءة ، تحت تأثير السلاح أو المخدرات أو تحت تأثير فتاوى تأتي من مراجع أو عمائم دينية ( سوداء كانت أم بيضاء أم خضراء ) هي الأخرى أكثر تخلفاً وبعيدة عن أي تحضر ، أو يأتي التوجيه من قبل رمز طائفي همه وهدفه الأول والأخير مصلحته الذاتية حتى على حساب مصلحة طائفته. في حين إن تطبيق النظام الديموقراطي الحقيقي يتطلب بالأساس توفر عدة عناصر أو شروط من أهمها أن يكون الشعب عموماً مثقف أو متحضر في تفكيره ووعيه ( وليس بالضرورة أن يكون متعلما ً ) بحيث يفهم كل عراقي بأن إعطاء صوته في الإنتخابات هي مسؤولية كبيرة يتوقف عليها مستقبل البلد وفي نفس الوقت إن إعطاء صوته هو ممارسة فعلية لحرية الذات في الإختيار دون الخضوع للأوامر والتوجيهات التي تصدر من أي جهة كانت. إلا إنه مع الأسف لا يتوفر هذا العنصر أو الشرط في المجتمع العراقي . فمعظم الشعب العراقي أما أن يكون عشائرياً أو قبلياً خانع لسلطة رئيس القبيلة أو العشيرة ، ومعظمهم متخلفين وغير متحضرين بكل معنى الكلمة ، أو يكون طائفياًمغلقاً ( بالأخص الطائفة الشيعية ) يأتمر ويخضع كلياً لأوامر السيد أو المرجع الديني أو الرمزسواء كان من الداخل أم من الخارج بحيث تكون فتاوى هؤولاء بمثابة الدستور أو القانون بل أعلى من ذلك كونها أوامر من الله أو من آلِ البيت ، فلا يمكن لهذه الشريحة من الشعب أن تفهم المعنى الحقيقي للإنتخابات فما عليها إلا التنفيذ الأعمى لما تمليه عليهم تلك المرجعيات وأصحاب العمائم المتخلفين والمحدودي الإدراك . فمثل هذه الشرائح من المجتمع العراقي لا تعي ولا تدرك المسؤولية الكبيرة من إعطاء الصوت الإنتخابي . فهي مطي-عة لأوامر أسيادها المتخلفين ألمتاجرين بالدين وإستغفال عقولهم ما داموا يأتمرون بأوامرهم ومستعدين للموت في سبيلهم بإعتبارهم ممثلي الله وآل البيت ومستعدين حتى التبرك بإفرازات هؤولاء المعممين والمراجع وتقبيل أياديهم القذرة وحتى الإيمان والإعتقاد المطلق بالقصص والخرافات الغيبية التي يتففن بتأليفها هؤولاء الدجالين. ونتيجة لذكاء السياسيين الخبيثاء والدجالين من ناحية وجهل وتخلف وعدم إدراك معظم شرائح المجتمع العراقي تم تطبيق مبدأ المحاصصة والتوافق في إدارة الدولة من قبل أحزاب ومافيات ومليشيات من أجل توجيه كل إمكانات الدولة المالية والمادية والبشرية لمصالحها الذاتية فقط على أساس إنها ممارسات ديموقراطية إستغفالاً للشعب العراقي البائس والمغيّب عما يدور في العالم المتقدم والمتحضر . إن النظام السياسي المطبق في العراق هو في الحقيقة نظام جديد يدعى بالنظام الديكتاتوري الجماعي ، وهو يقوم على نفس المبادئ التي تعتمدها الأنظمة الديكتاتورية الفردية إلا إنه أخطر بكثير على المجتمع ومستقبله حيث ببساطة إنه في النظام الديكتاتوري الفردي تكون جميع إمكانات الدولة تحت تصرف شخص واحد وهو الديكتاتور القائد الضرورة يستحوذ على جزء غير قليل من موارد الدولة لصالحه وصالح عائلته وبعض أعوانه المعدودين ويترك بقية موارد الدولة لعموم الشعب لتحقيق الحد الأدنى من العيش الذي يوفر المستلزمات الأساسية في الحياة من مأكل وملبس ومأوى مع توفير الحدود الممكنة من الخدمات العامة ، في حين في النظام الديكتاتوري الجماعي ، كما هو الحال في العراق ، فإن جميع موارد الدولة ستكون غير كافية لهم ولعوائلهم وأتباعهم المقربين لأن أعدادهم ستكون كبيرة مما سيؤدي بالتأكيد الى تنافس وصراعات ما بين الرؤوس الحاكمة والمسيطرة على مقدرات الدولة لتأمين أكبر حصة لها من موارد الدولة وقد يؤدي عدم كفاية الموارد المتاحة في العراق لتلبية أطماع تلك الرؤوس والجهات جميعاً الى التصادم والصراع فيما بينهم. يصل الى حد الإقتتال والتصفيات . ونتيجة ذلك هو إستحواذ هؤلاء على معظم موارد الدولة لمصالحهم الذاتية وسوف لن يبقى لعموم الشعب العراقي إلا الفتات . وهذه نتيجة منطقية وحتمية لما سوف يحدث في العراق عاجلاً أم آجلاً .
ومن جانب آخر ، فإن مبدأ الشعور بالإنتماء للعراق معدوم تماماً لمعظم الرؤوس والشخوص والرموز المسؤولة عن إدارة البلد ، وليس هناك حاجة لتسميتهم فهم معروفين بوضوح من خلال تصرفاتهم وتصريحاتهم ومواقفهم . فالشعور الحقيقي بالإنتماء لهؤلاء هو لأي جهة مهما كانت عدا العراق . وبسبب ذلك ، ونتيجة للظروف المعقدة في منطقة الشرق الأوسط ، وغباء معظم الساسة العراقيين فإن العراق سيزج في صراعات إقليمية يدفع الشعب العراقي ثمناً باهضاً على المستوى البشري والمادي وضياع مستقبله ومستقبل أجياله . وسوف يبقى العراق بلداً متخلفاً في جميع المجالات لفترة غير قصيرة يعاني خلالها العراقيون أسوأ ظروف الحياة وسيخسر العراق خيرة أبنائه سواء بالموت أو الهجرة الى بقاع العالم المجهول . في الحقيقة هذا ما سوف يحدث في العراق عاجلاً أم آجلاً .