“قومي هم قتلوا.. أميم أخي.. إذا رميت يصيبني سهمي” قال الشاعر، ونقول نحن: “بيك بيك” فيما تقول الحكاية التراثية، التي تعزوها مصادر تاريخية الى الامام علي.. عليه السلام، وتعزوها أخرى الى الفيلسوف اليوناني سقراط، وفي الحالتين تهمنا الحكمة والموعظة الحسنة الكامنة في تلافيف نص، لا يلقاه الا ذو حظ عظيم.
تقول الحكاية، ان امرأتين إختلفتا بشأن رضيع، كلاهما تدعيه لنفسها، فقال الامام علي / او سقراط: “فلنقطعه بينهما نصفين” إحداهما.. وهي الدعية، قالت: “أجل اقطعوه” أما أمه فقالت: “دعوه لها” خشية ان يصبه مكروه.
وهو ما حث قوات الجيش، من موقع الاقتدار، على ان تمنح هدنة من طرف واحد، للمقاتلين المتمترسين بالعوائل البريئة، في الفلوجة.. خوفا على أهلنا، من ان يطالهم شواظ القتال المستعر، بين الجيش الوطني، والمخربين.
انهم يعتصمون بالمدينة، قصد اتخاذها عاصمة للموت المقتحم سلام أملنا بحياة رغيدة.
أثبت الجيش بهذه الهدنة، ان ولاءه للوطن والناس والشعب، فـ “بيني وبين أخوتي وبني عمي لمختلف جدا.. إذا حطموا لي مجدا.. بنيت لهم مجدا”.
يمنح الجيش هدنة؛ لحظة يتمكن من زمام المبادرة، التي تضعه على أعتاب اقتحام المدينة، طاردا فلول “داعش” التي “جعلها كعصف مأكول” مثل أصحاب الفيل، إذ أوهمهم طغيانهم بالقدرة على مداهمة بيت الله.. جل وعلا، وهو ذات الوهم الذي دفع “القاعدة” و”الاخوان المسلمون” و”داعش” و”البعثية” لترميم هزيمتهم في كل مكان طرقوا بوابة خيره بمجسات شرهم؛ فنكصوا خائبين نحو عزلة الصحراء الغربية، والوهم يتآكل سفاهة عقولهم، بـ “الدولة الاسلامية في العراق والشام”.
تقديرا من جيش عقائدي، أوقف القتال؛ ريثما يلتقط أهالي “الفلوجة” انفاسهم، ويثوب المغرر بهم الى الرشد… حقنا للدماء، اوقف الجيش العراقي، القتال لمدة اثنتين وسبعين ساعة، حيد خلالها فعالياته العسكرية المتقدمة، حماية للاهالي من “داعش” التي تقاتل في نطاق ارض، لا تقلق بشأنها، قدر ما يقلق العراق.. “إذا رميت يصيبني سهمي”.
أما الجيش.. من الجنوب والوسط والشمال، فمكبل بمحبة اهله في الرمادي، يعمل لأجلهم بمهمة واحدة ذات جهد مزدوج.. تحريرهم من “داعش” من دون ان يصابوا بأذى؛ ما اوجب ان يقطع شوطا قتاليا طويلا، لاحت خلاله هزيمة المخربين.. تواشك على التمام؛ فتوقف؛ كي يمنح المهزوم، فرصة الخروج من دون ايذاء الاهالي، الذين يأسرهم الان، بجبن المحتمي بالنساء والاطفال.
فالاهالي يعانون الامرين.. بين مطرقة الحرب وسندانها؛ الامر الذي لقي تفهما من الجيش، نظير لا مبالاة “داعش” فهي قوى لا عقائدية، تعمل من دون ان تطرف لها دمعة على شفى جفن، عند رؤية طفل يتألم وأم قلقة وأب مرعوب خوفا على اولاده وشاب يترسم مستقبله.
لكن تلك كلها تشكل محددات مبدئية لقواتنا الامنية، المدربة على حماية الشعب ممن استولوا على إرادته في غفلة من الزمن.. لحظة فالتة من حسابات الوجود، استحكم أثناءها المخربون من مواضع مهمة في الانبار، الامر الذي يتوجب خلاله على الجيش استعادة المحافظة، والحفاظ على الارواح والممتلكات، التي لا تحفل “داعش” بها.
لذا منح هدنة للمدينة، كنوع من عفو عند المقدرة؛ ولكي تتقيأ سم “داعش” الزعاف، وتعود سليمة معافاة، الى حضن العراق.