هدنة على فوهة بركان: (هل انتهت الحرب أم بدأت مرحلة ما بعد الانكسار)؟

هدنة على فوهة بركان: (هل انتهت الحرب أم بدأت مرحلة ما بعد الانكسار)؟

تحليل لتداعيات ما بعد التصعيد الإيراني–الإسرائيلي ومآلات الهدنة المرتجفة
• الصمت لا يعني الاستقرار
مع انقشاع غبار المعركة بين إيران والكيان الصهيوني، تطرح اللحظة الراهنة سؤالًا كبيرًا يقول: هل تفتح الهدنة بابًا للاستقرار، أم أنها مجرد استراحة قصيرة تسبق جولة أخرى من المواجهة؟
بيد أن الكيان، الذي فوجئ بحجم الصواريخ الإيرانية ودقتها، يسعى اليوم إلى استغلال الهدوء لإعادة ترميم قدراته الدفاعية وتحصين جبهته الداخلية. فالهزيمة الأكبر التي مُني بها لم تكن فقط في الخسائر المادية أو الدمار العسكري – رغم اتساعه غير المسبوق – بل في الضربة المعنوية العميقة التي زلزلت نفوس المستوطنين.
الهلع الجماعي، والانكماش خلف الجدران، والشعور الطاغي بأن “إسرائيل لم تعد ” الوطن الموعود” الذي وعدتهم به الرواية الصهيونية”، كل ذلك ترك جرحًا نفسيًا لا يمكن ترميمه ببطاريات القبة الحديدية.
يكاد يكون مؤكدًا، أنه لو امتدت الحرب أسبوعًا آخر فقط، لشهدنا موجة هجرة عكسية تهز الكيان من الداخل، وتشطر رواية الحصانة الإسرائيلية.
•هدنة أم إعادة تموضع؟
من جهة، لا تخفي القيادة الإسرائيلية نيتها في استغلال هذه “الهدنة التكتيكية” لإعادة تموضع الجيش وتطوير منظومة الدفاع الصاروخي.
الحديث عن فشل استخباري وعسكري مزدوج تكرر في أكثر من منصة إسرائيلية. ليس لأن الصواريخ سقطت، بل لأن إسرائيل سقطت نفسيًا، وانكشف وهم الردع.
القلق الإسرائيلي لم يعد يدور حول سؤال “متى تُضرب تل أبيب؟”، بل حول “كيف نمنع الناس من مغادرتها؟”.
في المقابل، تبدو إيران مرتاحة إلى نتائج المعركة، وإن لم تفرط في نشوة النصر. بعد ان أثبتت – دون أن تدخل حربًا شاملة – أنها تمتلك قدرة تهديد استراتيجي مباشر، وأن أدواتها المنتشرة في المنطقة قادرة على شل حركة الكيان، أو إنهاكه على الأقل.
• الصراع داخل الكيان: دولة تتآكل من الداخل
بعد الحرب، لم تعد المشكلة فقط في صورة تل أبيب المحترقة، بل في السؤال الذي تسلل إلى وعي المستوطنين: هل نحن فعلًا في “أرض الميعاد”؟
الاستطلاعات الأولية تُظهر تصاعدًا في مشاعر الإحباط، وميلًا متزايدًا لفقدان الثقة بالمؤسسة السياسية والعسكرية.
بل إن أصواتًا داخل المجتمع الإسرائيلي – لا سيما في اليسار – بدأت تتساءل: هل جرّنا نتنياهو إلى “معركة خاسرة”؟ (في العمق، هناك انقسام خطير: تيار يميني يدفع نحو رد ساحق، بأي ثمن. وتيار واقعي يدرك أن كسر إيران لن يكون سوى وهم آخر، مكلف ومدمّر).
• المزاج الإيراني: انتصار بأقل الخسائر
على الطرف الآخر، تعيش إيران لحظة من التوازن النفسي النادر. ففي الداخل، وفّرت الضربة انتصارًا معنويًا يعوّض عن تراكم الأزمات الاقتصادية.
وفي الإقليم، بعثت برسالة واضحة لحلفائها وأعدائها: “لسنا في موقع الدفاع فقط”.
ولم يكن عبثًا أن خرج قادة محور المقاومة يتحدثون عن تغيّر قواعد الاشتباك، وأن مرحلة “إسرائيل التي تضرب ولا تُضرب” قد انتهت.
• احتمالات الجولة الثانية: هل تعود النار من تحت الرماد؟
(هناك ثلاثة سيناريوهات محتملة):
1. الاستقرار المشروط: أن يستمر الهدوء النسبي بضغوط أمريكية، وخوفًا من انفجار إقليمي شامل.
2. جولة قريبة ومباغتة: في حال قامت إسرائيل بضربة انتقامية سرّية أو علنية، أو تحرّك مفاجئ في غزة أو لبنان.
3. تفجير في التوقيت الأمريكي: حين تقترب الانتخابات في واشنطن، وقد تجد إسرائيل في تلك اللحظة فرصة لإقحام أمريكا في صراع مباشر.
• عندما تهتز العقيدة… تترنح الدولة
لقد أحدثت هذه الجولة القصيرة ما لم تحدثه حروب طويلة:
– اهتزاز في الإيمان الجماعي بالمكان، وفي الحصانة، وفي المستقبل.
– المعركة انتهت عسكريًا، لكنها لم تنته نفسيًا ولا رمزيًا.
– الكيان يرمم راداراته، لكن يصعب عليه ترميم وعيٍ ارتجف.
– إيران تبتسم، لأنها خاضت اختبار النار، وخرجت منه بتوازن بين الردع وعدم الانزلاق.
السؤال الأخطر الآن ليس: “من ربح المعركة؟”
بل: هل الهدنة حقًا هي نهاية الجولة… أم بداية مرحلة الانهيار المعنوي؟
صدق ” طرفة بن العبد” عندما قال:
سَتُبدي لَكَ الأَيّامُ ما كُنتَ جاهِلاً
وَيَأتيكَ بِالأَخبارِ مَن لَم تُزَوِّدِ
وَيَأتيكَ بِالأَخبارِ مَن لَم تَبِع لَهُ
بَتاتاً وَلَم تَضرِب لَهُ وَقتَ مَوعِدِ

أحدث المقالات

أحدث المقالات