قال ابن خلدون في تاريخه : كان أبو جعفر المنصور بمكان من العلم والدين قبل الخلافة وبعدها، وهو القائل لمالك حين أشار عليه بتأليف الموطأ : يا أبا عبد الله، إنه لم يبق على وجه الأرض أعلم منى ومنك، وإنى قد شغلتنى الخلافة، فضع أنت للناس كتابا ينتفعون به، تجنب فيه رخص ابن عباس، وشدائد ابن عمر ووطئه للناس توطئة، قال مالك : (فوالله لقد علمنى التصنيف يومئذ).
هذا مقترح ابي جعفر و هو اقتراح صائب و نافع ، فقد قال فيه الامام الشافعي :”ما كتاب بعد كتاب الله أنفع من كتاب مالك بن أنس”
و قد كان بداية مضيئة في الفقه الاسلامي بعد ذلك ، فالامام البخاري يشهد ان “أصح الأسانيد كلها: مالك عن نافع عن ابن عمر”، وكثيرا ما ورد هذا الإسناد فى الموطأ.” “فمن سن سنة حسنة ،،،الحديث” .
و لكن هذا الخليفة العالم له خطأ كبير -و كل ابن آدم خطاء -فقد اقترح ايضا بناء بغداد لتكون بديلا للانبار كعاصمة لبني العباس ، فلو كان يعلم ان حاضرة الدنيا في زمانه و زمان حفيده الرشيد ثم المأمون ستكون مرتعا لهؤلاء القوم الموتورين الذين تجمعوا اليوم بالمئات لإزالة تمثاله ، و هو الذي جعل بلادهم اعلى بلاد الناس لعصور طويلة لما بناها لهم . و مهد لهم الشوارع و حفها ببساتين و اتحفها بالمدارس و المستشفيات .
هؤلاء الذين يستبدلون الذي ادنى بالذي هو خير . فيزيلون بناة البلاد و اعلام تراثها العريق و يؤيدون سياسيي الصدفة و ملالي الجهل و التخلف و الخرافة . هذا الشعب الذي رفض اول من انشأ نظام صرف صحي في التاريخ و رضي بمن جعل مياه الصرف الصحي تصل الى غرف النوم ، بعد ان كان من ارقى شعوب العالم منذ 40 سنة فقط لا اكثر ، هذا الشعب الذي يهدم بناة الجامعة المستنصرية و دار الحكمة و يستبدلهم برجال فتاوى القتل الطائفي و تهريب الاموال و ايقاف الصناعة و حرق الزراعة لصالح عدوهم ليديموا صادراته و تفاهاته .
هذا الشعب الذي رفض بيعة رجال رسول الله الصحيحة ، و رضي بديموقراطية هزيلة مشوهة نتائجها قبيحة . هذه الطائفة التي ملأت قلب امام المسلمين علي قيحا ، و سلمت ابنه و قتلت ذراريهم ذبحا .
الطائفة من الشعب – حتى لانعمم- التي تهدم كل معلم جميل بل و كل منتج حضاري و تثور عليه لترضى بعد ذلك ان يضعوا مكانه ( صفيحة مثقبة) على انها (نافورة ماء اندلسية) ، و لست اقصد طائفة دينية بل توصيفية .
فاذا كان الهدم يجري وفق معتقدات اثنية و مذهبية فاهدموا الجامعة المستنصرية اذن فهي معلم عباسي و اهدموا شارع الرشيد و بوابات بغداد الاربعة فهي عباسية ، و اهدموا شارع ( ابو نؤاس) . و اهدموا دار الحكمة فهو عباسي ، و اهدموا شارع المتنبي و تمثاله فهو عباسي و اخرجوا من قصوركم فهي صدامية و احفروا ماتبقى من الشوارع لانها ملكية و اهدموا مطار بغداد الوحيد فهو بعثي .
ثم ابقوا لنا على خرائبكم و خرابكم و خرافاتكم فقط . فان بها البركة ، و ان الاحمق يقتل نفسه بيديه.
ملحوظة : المقال لاينظر الى خلافات و معارك ابي جعفر التاريخية السياسية و طلب الفرس للثار لابي مسلم الخراساني منه و ثورات ابناء عمومته الطالبيين عليه ( محمد النفس الزكية و غيره ) طلبا للحكم .